المتنبّي ثلاث خصال ذميمة كلّ الذمّ: وهي أنّه ما صام ولا صلّى ولا قرأ القرآن. وبلوت منه ثلاث خصال محمودة: ما كذب، ولا زنى، ولا لاط.
وقال أبو العبّاس ابن الحارث الورّاق:
أنشدني أبو الطيّب المتنبّي لنفسه [الطويل]:
تضاحك منّا دهرنا لعتابنا ... وعلّمنا التمويه لو نتعلّم
شريف دعاويّ وزاني مذكّر ... وأعمش كحّال وأعمى منجّم (١)
وما أحسن قوله [الطويل]:
هنيئا لك العيد الذي أنت عيده ... وعيد لمن سمّى وضحّى وعيّدا
فذا اليوم في الأيّام مثلك في ... الورى
كما كان فيهم أوحدا كنت أوحدا
وقال، وقد نعي في مجلس سيف الدولة، وهو يومئذ عند كافور بمصر [البسيط]:
يا من نعيت على بعد بمجلسه ... كلّ بما زعم الناعون مرتهن
كم قد قتلت، وكم قد متّ عندكم ... ثمّ انتفضت فزال القبر والكفن
قد كان شاهد دفني قبل قولهم ... جماعة ثمّ ماتوا قبل من دفنوا
ما كلّ ما يتمنّى المرء يدركه ... تجري الرياح بما لا تشتهي
السّفن [٧٨ أ]
وقال، وقد مرض بمصر، وهي أحسن ما وصفت به الحمّى [الوافر]:
ولمّا صار ودّ الناس خبّا ... جزيت على ابتسام بابتسام
وصرت أشكّ فيمن أصطفيه ... لعلمي أنّه بعض الأنام
ولم أر في عيوب الناس شيئا ... كنقص القادرين على التمام
أقمت بأرض مصر فلا ورائي ... تخبّ بي المطيّ ولا أمامي
وملّني الفراش، وكان جنبي ... يملّ لقاءه في كلّ عام
قليل عائدي، سقم فؤادي، ... كثير حاسدي، صعب مرامي
وزائرتي كأنّ بها حياء ... فليس تزور إلّا في الظلام
بذلت لها المطارف والحشايا ... فعافتها وباتت في عظامي
يضيق الجلد عن نفسي وعنها ... فتوسعه بأنواع السّقام
إذا ما فارقتني غسّلتني ... كأنّا عاكفان على حرام
كأنّ الصبح يطردها فتجري ... مدامعها بأربعة سجام
أراقب وقتها من غير شوق ... مراقبة المشوق المستهام
ويصدق وعدها، والصدق شرّ ... إذا ألقاك في الكرب العظام
أبنت الدهر عندي كلّ بنت ... فكيف وصلت أنت من الزحام؟
جرحت مجرّحا لم يبق فيه ... مكان للسيوف ولا السّهام
يقول لي الطبيب: أكلت شيئا ... وداؤك في شرابك والطعام
فإن أمرض فما مرض اصطباري ... وإن أحمم فما حمّ اعتزامي
(١) هذان البيتان لا يوجدان في الديوان. وقراءتنا للثاني ظنيّة.