للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مالك بن أنس، وكتاب حديث أمّ زرع، وكتاب ستر العورة، وكتاب المحصول في علم الأصول، وكتاب أعيان الأعيان [ ... ].

وقال أبو القاسم ابن بشكوال: الإمام العالم الحافظ المستبحر، ختام علماء الأندلس، وآخر أئمّتها وحفّاظها. أخبرني أنّه دخل مع أبيه إلى المشرق مستهلّ ربيع الأوّل سنة خمس وثمانين وأربعمائة. وقدم إشبيلية بعلم كثير لم يدخله أحد قبله ممّن كانت له رحلة إلى المشرق. وكان من أهل التفنّن في العلوم والاستبحار فيها والجمع لها، مقدّما في المعارف كلّها، متصرّفا في أنواعها. فذّا (١) في جميعها، حريصا على أدائها ونشرها، ثاقب الذهن في تمييز الظواهر (٢) فيها.

ويجمع إلى ذلك كلّه آداب الأخلاق مع حسن المعاشرة ولين الكتف وكثرة الاحتمال وكبر النفس وحسن العهد وثبات الودّ. واستقضي ببلده فنفع الله به أهلها لصرامته وشدّته ونفوذ أحكامه.

وكانت له في الظالمين سورة مرهوبة. ثمّ صرف عن القضاء وأقبل على نشر العلم وبثّه. وتوفّي بالعدوة، ودفن بمدينة فاس في ربيع الآخر سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة.

وقال ابن سعيد في كتاب المغرب: ذكره الحجاريّ في المسهب (٣)، فقال: طبّق الآفاق بفوائده، وملأ الشام والعراق بأوابده. وهو إمام في الأصول والفروع وغير ذلك. ومن شعره، وقد ركب مع أحد أمراء الملثّمين، وكان ذلك الأمير صغيرا، فهزّ عليه رميحا كان في يديه مداعبا، فقال [الطويل]:

يهزّ عليّ الرمح ظبي مهفهف ... لعوب بألباب البريّة عابث

ولو أنّه رمح إذن لاتّقيته ... ولكنّه رمح وثان وثالث

وقوله، وقد دخل عليه غلام جميل الصورة في لباس خشن [الرمل]:

لبس الصوف لكي أنكره ... وأتانا شاحبا قد عبسا [٥٦ أ]

قلت: إيه قد عرفناك، وذا ... جلّ سوء لا يعيب الفرسا

كلّ شيء أنت فيه حسن ... لا يبالي حسن ما لبسا

وكان قد صحب المهديّ- يعني محمد بن تومرت- بالمشرق، فأوصى عليه عبد المؤمن، وكان مكرّما عنده.

وحكي أنّه كتب كتابا فأشار عليه أحد من حضر أن يذرّ عليه نشارة، فقال: قف! - ثمّ فكّر ساعة، وقال: اكتب [الخفيف]:

لا تشنه بما تذرّ عليه ... فكفاه هبوب هذا الهواء

فكأنّ الذي تذرّ عليه ... جدريّ بوجنة حسناء

وما برح معظّما إلى أن تولّى خطّة القضاء، فوافق ذلك أن احتاج سور إشبيليّة إلى بنيان جهة منه، ولم يكن فيها مال متوفّر يفضل له. ففرض على الناس جلود ضحاياهم- وكان ذلك في عيد أضحى- فأحضروها كارهين. ثمّ اجتمعت العامّة [العمياء] (٤) وثارت عليه وحصرته بداره وجعلت تصيح عليه: ردّ الجلود، يا قاضي اليهود! - إلى


(١) في الوفيات: نافذا.
(٢) في الوفيات: الصواب منها.
(٣) المسهب في أخبار أهل المغرب للحافظ عبد الله بن إبراهيم الحجاريّ (ت ٥٨٤).
(٤) الزيادة من النفح.

<<  <  ج: ص:  >  >>