للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

اشتهاره، فصار لهذا يخشى ويرجى وتقبل شفاعاته وتقضى حوائجه.

وكان يجد السبيل إذا أراد عيب أحد من أرباب الدولة لما يناط بهم من الأمور والتصرّف في الأموال، ولا يجد أحد منهم سبيلا إلى عيبه.

فلذلك عظمت نعمته وكثرت سعادته وطالت مدّته من غير أن تنزل به نازلة ولا تغيّر عليه السلطان قطّ، فصار قارون قرنه.

ولمّا تمكّن النّشو (١) السلطان، أغرى به وأكثر من الطعن عليه بكثرة المال، وعمل أوراقا بما على متاجره من الموجبات التي لم تؤخذ منه قطّ.

فجاءت جملة عظيمة من ثمن رصاص وفرو وغير ذلك. فلم يلتفت السلطان إليها وقال له: هذا القاضي جمال الدين لا تؤخّر له شيئا، اطلع الساعة وادفع إليه جميع ما له من المرتّبات.

وكان لا يمرّ به يوم خدمة إلّا ويلبس فيه تشريفا، إمّا من جهة السلطان، أو من جهة حريمه، أو من جهة أولاده، أو من جهة الأمراء الأكابر، أو من جهة الخاصّكيّة، إلى غير ذلك من البغال المسرجة الملجمة، والتعابي، والقماش، والجوائز بالمال، والافتقادات، والرواتب اليوميّة والشهريّة والسنويّة، والإنعامات، وجوامك المارستان، والتداريس، ورسوم تزكية الأطبّاء بديار مصر والبلاد الشاميّة، وهدايا الناس، او الربح في المتاجر. فحاز من المال ما يتجاوز الحدّ. ومع ذلك فقد كان مقتصدا في النفقة غاية الاقتصاد.

وكان يلازم الخدمة سفرا وحضرا، ويتجمّل في ملبسه ومركبه وحشمه من غلمانه وجواريه بغير

إسراف. وكان مليح الوجه ظريف الزيّ. وبلغ من تمكّنه عند السلطان ما لم يبلغه غيره. حتّى كان السلطان في غيبته إذا ذكره، ربّما قال: صاحبنا إبراهيم.

ومع ذلك كان لا يتكبّر ولا يعدّ نفسه إلّا من جملة الأطبّاء، ويوقّر رفقته ويجلّ أقدار ذوي السنّ منهم، ويكرم فضلاءهم ويتأدّب في مخاطبتهم، ويحدّثهم بالحسنى، ويتألّف قلوب أكابرهم وأصاغرهم ومسلمهم وذمّيّهم.

وكان يبغض ابن الأكفاني ولا ينطق بسوء في حقّه. وكان يحفظ لسانه ويتعمّد ذكر المحاسن، ويتعامى عن المعايب.

هذا مع الفضيلة الوافرة في الطبّ علما وعملا، والمشاركة الجيّدة في الهيئة وعلم النجوم والحكمة، وجودة العقل، وجميل المعاشرة.

وكان إذا مرض أحد من أعيان الدولة أتاه مرّة واحدة، ثم قرّر له طبيبا يباشره ويطالعه بأعراضه.

فإذا برئ من مرضه استوجب عليه ما يليق به.

فإذا حصل له إنعام من أحد من الأمراء أو نحوهم، دخل به على السلطان وقبّل الأرض وعرضه عليه.

وكان السلطان يعرف كل ما يحصل له ويتحقّق كثرة أمواله.

ولمّا ثقل مرض السلطان الذي مات منه انقطع في داره. واتّهم أنّه تمارض حتّى يأمن من التهمة.

وتأخّرت وفاته بعد السلطان إلى أن مات يوم [ ... ] ذي القعدة سنة ستّ وخمسين وسبعمائة.

وقد ذكر أبوه (٢) وأخوه في مواضعهم.


(١) النشو عبد الوهّاب بن فضل الله (ت. ٧٤٠) له ترجمة في أعيان العصر للصفدي ٣/ ٢٠٠ (١٠٦٠).
(٢) أبوه أحمد شهاب الدين الفاضل، كان يهوديّا وأسلم سنة ٦٩٠. أعيان العصر ١/ ٤٤٢ (٢٢٣). وأخوه لا نعرف اسمه. والترجمتان مفقودتان من المقفّى.

<<  <  ج: ص:  >  >>