للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأقطع الطائفة الحجريّة البلاد، وأكرم بزغش الذي أشار بخروجه من القصر، وبالغ في تعظيمه والإنعام عليه، وأعاد أملاكا كثيرة إلى أربابها ممّا كان قد قبض وصار في الديوان. ولهج بذمّ الخليفة الآمر بأحكام الله وإشاعة معايبه.

وأظهر مذهب الشيعة الإماميّة وأعلن بالدعاء للإمام المنتظر صاحب السرداب محمد بن الحسن العسكريّ.

وضرب الدراهم باسمه، ونقش عليها: «الله الصمد. الإمام محمّد». وخطب بنفسه في يوم الجمعة. وكان قليل العلم فغلط في الخطبة.

وأسقط منذ قام ذكر الإمام إسماعيل بن جعفر [الصادق] الذي ينتسب إليه الفاطميّون، وأزال من الأذان قول: «حيّ على خير العمل» وقول:

«محمد وعليّ خير البشر».

واخترع لنفسه دعاء يدعي به على المنابر وهو:

السيّد الأجلّ الأفضل مالك أصحاب الدول، والمحامي عن حوزة الدين والناشر جناح العدل على المسلمين، الأقربين والأبعدين، ناصر إمام الحقّ في حالة غيبته وحضوره، والقائم بنصرته بماضي سيفه وصائب رأيه وتدبيره، أمين الله على عباده، وهادي القضاة إلى اتّباع شرع الحقّ واعتماده، مرشد دعاة المؤمنين بواضح بيانه وإرشاده، مولى النعم، ورافع الجور عن الأمم، مالك فضيلتي السيف والقلم، أبو علي أحمد ابن السيّد الأجلّ الأفضل شاهنشاه أمير الجيوش ابن أمير الجيوش.

وبالغ في مضرّة أهل القصر وأكثر تهديدهم وإزعاجهم في التفتيش على ولد (١) الخليفة الآمر بأحكام الله ليقتله كما قتل الآمر أولاد الأفضل ابن

أمير الجيوش، فلم يظفر، وعلى الأمير السعيد يانس متولّي الباب، وعلى صبيان الخاصّ (٢) الآمريّة. وعزم على قطع (٣) الحافظ وقتله فلم يتمكّن من ذلك.

ورتّب أربعة قضاة، كلّ منهم يحكم بمذهبه، وهم: شافعيّ، ومالكيّ، وإماميّ، وإسماعيليّ.

ولم يعرف ذلك عن أحد قبله.

فلمّا اشتدّ الضرر على أهل القصر، تعصّب قوم من الأجناد من خاصّ الخليفة عليه بترتيب يانس وتحالفوا على قتله، وكانوا أربعين رجلا. وترقّبوا فرصة تلوح لهم منه، إلى أن ركب إلى رأس الطابية ليعرق (٤) فرسا في الميدان [٨٢ أ] من البستان الكبير خارج باب الفتوح من القاهرة، ويلعبالكرة على عادته، وقد اجتمع من صبيان الخاصّ الذين تحالفوا على قتله عشرة. فخرج أبو عليّ وحده وهو يصيح بالخيل: «راحت! » ومرّ ليسوق فأجابه العشرة: «عليك! » وحملوا عليه وأردوه عن فرسه، فأدركه بعض أستاذيه وألقى نفسه عليه فقتلوهما معا، وذلك في يوم الثلاثاء سادس عشر محرّم سنة ستّ وعشرين وخمسمائة.

واجتمع الأربعون وساروا إلى القصر، وأخرجوا الخليفة الحافظ لدين الله من اعتقاله، وطرحوا رأس أبي علي بين يديه، فكانت مدّة وزارته سنة وشهرين وأيّاما. ودفن بتربة جدّه أمير الجيوش خارج باب النصر.

ولظافر الحدّاد يمدحه، من أبيات [المتقارب]:

جزى الملك ملكا أغاث النفوسا ... فأيّ نفيس تولّى نفيسا


(١) في المخطوط: على والد.
(٢) صبيان الخاصّ: هم أولاد الأمراء وخدّام الدولة، يحملون إلى حضرة الخلافة ويعلّمون الفروسيّة (ابن ميسّر ٩٥).
(٣) في الاتّعاظ: ٣/ ١٤١: على خلع.
(٤) أعرق الفرس: أجراه ليعرق.

<<  <  ج: ص:  >  >>