للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حالهم فأمرهم بالبيعة له فقالوا: نحن قوم من الكوفة اعتزلنا الناس حين اختلفوا، وأتينا إلى هذا الحرم لئلّا نؤذي أحدا ولا نؤذى. فإذا اجتمعت الأمّة على رجل دخلنا معهم فيما دخلوا فيه وهذا مذهب صاحبنا، ونحن معه عليه وله صحبناه.

فوقع ابن الزبير حينئذ في ابن الحنفيّة وتنقّصه وقال: والله ما صاحبكم [١٢٧ أ] بمرضيّ الدين، ولا محمود الرأي، ولا راجح العقل، ولا لهذا الأمر بأهل!

فقام عبد الله بن هاني فقال: قد فهمت ما ذكرت به ابن عمّك من السوء. ونحن أعلم به وأطول معاشرة له منك. وأنت تقتل من لم يبايعك وتقول: والله ما أحبّ أنّ الأمّة بايعتني كلّها غير سعد مولى معاوية. فبعثت إليه فقتلته- وإنّما عرّض بابن الزبير لأنّه كان بعث إلى سعد فقتله- وكلّمه عبد الله بن هاني بكلام كبير.

فقال: الهزوه وجئوا في قفاه (١)! فقال: أتفعل هذا في حرم الله وأمنه وجوار بيته؟ فقالوا له: لئن لم يضرّك إلّا تركنا بيعتك لا يضرّك شيء أبدا ولا يلحقك مكروه.

ودعا ابن الزبير بعبد الله بن هاني فقال: أبي تضرب الأمثال، وإيّاي تأتي بالمقاييس؟

فقال: إني عذت بربّي، وربّكم من كلّ متكبّر لا يؤمن بيوم الحساب!

فقال ابن الزبير: ادفعوهم عنّي، لعنكم الله من عصابة!

فأتوا محمد بن الحنفيّة فأخبروه بما كان بينهم وبين ابن الزبير فجزاهم خيرا، وعرض عليهم أن يعتزلوه فأبوا. وقالوا: نحن معك في اليسر

والعسر، والسهل والوعر، لا نفارقك حتى يجعل الله لك فسحة وفرجا.

وبايعوه على ذلك، فقال لهم: إنّي بكم لمتأنّس كبير.

وسأله بعضهم أن يرصدوا ابن الزبير فيقتلوه إذا خرج من الحرم، فكره ذلك وقال: ما يسرّني أنّي قتلت حبشيّا مجدّعا ثمّ أجمع سلطان العرب كلّه.

وقدّم على السبعة العشر الرجل من أبنائهم ثلاثة نفر: بشر بن سرح، والطفيل بن أبي الطفيل عامر بن واثلة، وبشر بن هاني بن قيس. فلمّا يئس ابن الزبير من بيعة ابن الحنفيّة وأصحابه، وقد فسدت عليه الكوفة، وغلب المختار بن أبي عبيد الثقفيّ عليها، وأخرج ابن مطيع عامل ابن الزبير عنها، ودعت الشيعة بها لابن الحنفيّة، ثقل عليه مكان ابن الحنفيّة معه، وخشي أن يتداعى الناس إلى الرضاء به [١٢٧ ب] فحبسه وأهل بيته ومن كان معه من أصحابه أولئك بزمزم، ومنع الناس منهم، ووكّل بهم الحرس.

ثمّ بعث إليهم: أعطي الله عهدا. لئن لم تبايعوني لأضربنّ أعناقكم أو لأحرّقنّكم بالنار!

وكان رسوله بذلك عمرو بن عروة بن الزبير.

فقال له ابن الحنفيّة: قل لعمّك: لقد أصبحت جريئا على الدماء، منتهكا للحرمة، متلثلثا (٢) في الفتنة.

وقال له عدّة من السبعة العشر الرجل: إنّ هذا قد حصرنا بحيث ترى وخوّفنا بما تعلم. وو الله ما ينتظر إلّا أن يقدم علينا وقد ظهر بالكوفة من يدعو إلى بيعتك والطلب بدماء أهل بيتك. فالطف لبعثة رسل من قبلك يعلمونهم حالك وحال أهل بيتك.

فقال: اختاروا منكم نفرا.


(١) لهزه (وزن فتح): طعنه ولكزه، ووجأه يوجؤه كذلك، والقياس أن يقول: اوجئوه، فعامل الفعل مثل ودع يدع.
(٢) تلثلث في الأمر وعليه: ألحّ وتردّد.

<<  <  ج: ص:  >  >>