للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إلى أن ولّاه الملك الناصر محمد بن قلاوون قضاء القضاة بحلب في سنة أربع وعشرين وسبعمائة، بعد موت زين الدين عبد الله بن محمد بن عبد القادر الأنصاريّ. وكتب بتقليده من مصر، وحمل إلى الأمير تنكز نائب الشام. فاستدعاه وأخبره بولايته قضاء حلب، فامتنع من ذلك امتناعا كبيرا. فغضب منه تنكز، وعزله من وظائفه كلّها، ورسم عليه حتّى يقدم جواب السلطان، وكتب بخبره. فاتّفق قدوم البريد من حلب بموت ابن عبد القادر، فتعجّب تنكز من ذلك، وبعث إلى ابن الزملكانيّ وأحضره وطيّب خاطره حتى قبل الولاية فصار إلى حلب.

ثمّ استدعاه السلطان من حلب ليولّيه قضاء دمشق. فوصل إلى بلبيس قبل دخوله القاهرة، فتوفّي بها ليلة الأربعاء سادس عشر شهر رمضان سنة سبع وعشرين وسبعمائة. فحمل ميتا ودفن بالقرافة يوم الخميس قريبا من قبر الإمام الشافعيّ.

ومن شعره [البسيط]:

أهواك يا ربّة الأستار أهواك ... وإن تباعد عن مغناي مغناك

وأعمل العيس، والأشواق تحملني ... عسى يشاهد معناك معنّاك

تهوى بها البيد لا تخشى الضلال وقد ... هدت ببرق الثنايا الغرّ مضناك (١)

تشوقها نسمات الصبح سارية ... تسوقها نحو رؤياك بريّاك

٥ يا ربّة الحرم العالي الأمين لمن ... وافاه، من أين هذا الأمن لولاك؟

قد أكثر الناس في سلع وكاظمة ... والأبرقين، وليس القصد إلّاك

يا ربّة الحسن ذات الخال ما نظرت ... عين المحبّين أبهى من محيّاك

إن شبّهوا الخال بالمسك الذكيّ فه ... ذا الخال من دونه المحكيّ والحاكي [١٤٢ أ]

أفدي بأسود قلبي نور أسوده ... من لي بتقبيله من بعد يمناك!

١٠ إنّي قصدتك لا ألوي على نشب ... ترمي النوى بي سراعا نحو مرماك

وقد حططت رحالي في حماك عسى ... تحطّ أثقال أوزاري بلقياك

كما حططت بباب المصطفى أملي ... وقلت للنفس: بالمأمول بشراك!

وقال [الطويل]:

سواكم بقلبي لا يحلّ ولا يحلو ... كما أنّه من حبّكم قطّ لا يخلو

حللتم عرى صبري وحلّلتم دمي ... وحرّمتم وصلي فلذّ لي القتل

وأوعدتم هجرا فأودعتم الحشا ... لهيبا على ما كان من حبّكم قبل

وألبستم جسمي الضنى وسلبتم ... رقادي، وأسبلتم دموعا لها سبل

٥ أحبّه قلبي ليس قبلي متيّم ... كمثلي، ولا في العالمين لكم مثل

فلا تحسبوا أنّي مللت هواكم ... ولا أنّني يوما أميل ولا أسلو

[وقال الطويل]: (٢)

وإنّي وإن أعرضت عنكم وصدّني ... زمان رماني منه في أعظم الخطب

لأنتم إلى عينيّ أشهى من الكرى ... وفي مهجتي أحلى من البارد العذب


(١) في المخطوط: هوت ببرق الثنايا من ثناياك، والتصويب من الوافي.
(٢) زيادة منّا لأنّ الرويّ تغيّر.

<<  <  ج: ص:  >  >>