للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وتمثّل عند اجتماعه بالملك الكامل بقول أبي الطيّب المتنبّي [الطويل]:

وما شئت إلّا أن أذلّ عواذلي ... على أنّ رأيي في هواك صواب

وأعلم قوما خالفوني وشرّقوا ... وغرّبت، أنّي قد ظفرت وخابوا (١)

فاشتدّ اهتزاز السلطان لهذا الاستشهاد، وقال:

يا محيي الدين، أنت والله أولى بهما من المتنبّي.

وكان قد صحب الملك الأشرف موسى ابن العادل وتمكّن منه، فتحوّل إلى القاهرة وبقي في خدمة الملك الكامل. وتوفّي بدمشق يوم الاثنين سابع جمادى الآخرة سنة إحدى وخمسين وستّمائة. [١٤ ب] ودفن بسفح قاسيون.

ومولده بجزيرة ابن عمر سنة إحدى وثمانين وخمسمائة.

وبلغ عند الكامل الغاية، وعمله أكبر أهل الدولة.

ونرك ثلاثة أولاد أدباء شعراء: عبد العزيز، وعبد المجيد، ومحمد.

وكان حسن الأخلاق، كثير البشر، مكرما للداخل عليه، عديم النظر في فضائله وعلومه وأدبه، يضرب به المثل في مكارمه.

وله مصنّفات، منها:

لطائف الواردات، وكتاب معالم التدبير، وكتاب مراشد الملك، وكتاب ضوابط الملك، وكتاب وظائف الرئاسة، وكتاب التذكرة الملوكيّة.

ومدحه عدّة من الشعراء، مثل زكيّ الدين ابن أبي الإصبع، وأكثر من أمداحه، وشرف الدين ابن قديم، وبدر الدين ابن المسجّف، وأحمد بن

منهال، وشرف الدين ابن الحلاوي، ووجيه الدين ابن العالم، والوزير شرف الدين محمد بن نظيف وزير الحافظ صاحب جعبر، ويوسف بن عليّ القرشيّ، ونجم الدين ابن النفّاخ الطبيب، ومحمد بن عمّار المكّي، ومحمد بن محمد بن مسكين، وعليّ بن سعيد المغربي، في آخرين.

وله ترسّل جيّد، منه ما كتبه إلى أخيه الصاحب عماد الدين محمد، وقد طلب منه شيئا من ملبوسه: «أين أنت ممّا نحن فيه؟ أكتب إليك وتكتب إليّ، والغفلة شاملة، والحيرة شائعة، وقد رين على القلوب وزاد الوله حتى ألهى العقول، وفاض حتى أعشى الأبصار، ولقد كنّا في غفلة من هذا، فوا عجبا كيف لا ينفطر ما لا أسمّيه، وينشقّ لكثرة ما أحوم حول القول فيه، ولا أوفّيه إن شرحت!

فاضت نفوس فضلا عن عيون، نرامت إلى مهاوي الإثم فيه ظنون، ولو أبديت بعضه لخفت أن يفطن بعض الناس، وإن أفضت فيه أخشى أن لا يحمله سمع ولا يسعه قرطاس، والرّضا بالقضاء يمنع من استبطاء مقدّر اللقاء.

ومن غرائب هذه الحال أنّك تكون في شرق الأرض وأكون في غربها، فتستدرج الآمال الأجسام حتى تجعلها كقاب قوسين أو أدنى، ثمّ يفطن بنا الزمان فيجعل أجسامنا سهاما ويرمينا بقوسه إلى البعد الأقصى [الخفيف]:

أيّها المنكح الثريّا سهيلا ... عمرك الله كيف يجتمعان؟

هي شاميّة إذا ما استقلّت ... وسهيل إذا استقلّ يمان!

ولقد عام السابح في بحر الفكر ليستخرج من قعره ما يستعين به على هذا الدهر، فلم ير إلّا أثرا


(١) ديوانه بشرح العكبريّ ١/ ١٩٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>