يحضرون القضاة إلى مجالسهم، فبعث إليه عبد الله بن المسيّب يأمره بالحضور إلى مجلسه فقال: لو كنت تقدّمت إليك في هذا لفعلت وفعلت يا كذا وكذا! - فانقطع حضور القضاة مجلس الأمراء من يومئذ.
واتّخذ أيضا قوما من أهل مصر للشهادة ورسمهم بها، وأوقف سائر الناس، فوثبوا به ووثب بهم فشتموه وشتمهم. وكان منه هنات إلى أشرافهم. وخوصم هاشم بن حديج إليه فقال له:
إنّما أنت من [١٢٤ أ] السّكون ولست من الملوك.
فقال له هاشم: ليس لهذا حضرنا. والله لا حضرت مجلسا لك أبدا! ومن تظلّم إليك منّي فأعده عليّ واقض له في مالي بما يرغبه.
وكانت أموال اليتامى والأوقاف والغيّب تردّ إلى بيت المال منذ زمن أبي جعفر المنصور إلى زمن الرشيد. فلمّا ولي محمد بن مسروق وتحامل على الناس، أساءوا عليه الثناء والذكر، وأشاعوا عليه أنّه عزم على حمل ما في بيت المال من هذه الأموال إلى هارون الرشيد ببغداد فقام أبو إسحاق الحوفي ونادى بالمسجد الجامع ودعا على محمد بن مسروق، فأحضره ابن مسروق وناله بمكروه. فزاد أهل مصر في مقته، فعند ما أكثر أهل المسجد في ذمّه وقف على باب المقصورة ونادى بصوته: أين أصحاب الأكسية العسليّة؟ أين بنو البغايا؟ لم لا يتكلّم منهم متكلّم بما شاء حتّى يرى ويسمع؟
فما تكلّم أحد بكلمة.
وكان القضاة بمصر لا يقضون على النصارى بالمسجد، وإنّما يجعلون لهم يوما في منازلهم.
وأوّل من أدخلهم المسجد محمّد بن مسروق.
وكان هارون بن سليمان بن عياض القرشيّ يتكلّم في طائفة معه في العصبيّة، فأرسل إليه محمد بن مسروق يوما: ما يؤمّنك أن أكتب فيك إلى أمير المؤمنين بما تضرب به بين الناس؟ - ثمّ أخذ جمعا من جلسائه فضربهم وطاف بهم.
ثمّ إنّ ابنه محمّدا قدم عليه ففضحه: وذلك أنه كان يأتي [إلى] من عنده مال من الودائع، فيقول:
أعطنيه حتى أتجر فيه وآخذ الفضل! - فتلف على يديه شيء كثير. وكان الناس قبل قدوم ابنه لا يكادون يتعلّقون عليه بشيء فوجدوا به السبيل إلى الطعن عليه.
ولم يكن قبله لقضاة مصر قمطر، وإنّما كان كاتب القاضي يحضر ومعه الكتب في منديل، فأوّل من جعل له القمطر بمصر محمد بن مسروق، وكان يختم القمطر ويودعه، فإذا جلس أحضره. وكان يروح [إلى الجمعة من دار أبي عون] بالموقف إلى المسجد ماشيا.
وخوصم إليه عبد الرحمن وكيل السيدة زبيدة بنت جعفر ابن أبي جعفر المنصور، امرأة الرشيد، فأمره بإحضاره، فجلس مع خصمه متربّعا فأمربه فبطح وضرب عشرا، فبغاه إلى مولاته زبيدة.
وتشدّد أيضا على عبد الوهاب بن موسى بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف [فخافه] فشخص من مصر إلى الرقّة وبغاه ورفده القرشيّون هناك. وكلّم فيه أبا البختريّ حتّى عزله.
فلمّا بلغه العزل خرج من مصر [١٢٤ ب] قبل أن يقدم الذي استقضاه أبو البختريّ، واستخلف على مصر إسحاق بن الفرات، غضبا عليهم، وذلك سنة أربع وثمانين- وقيل: سنة خمس وثمانين- ومائة. ويقال: إنّه مات فيها.
سئل عنه أبو زرعة فقال: شيخ حدّث عن الوليد بن جميع عن أبي الطفيل عن سعيد بن زيد