شديدا من قلّة الماء والعلف. فورد الخبر بمواقعة الأفشين للروم في خامس شعبان وظفره، وأنّه قتل من الروم أربعة آلاف، ثمّ قدم الأفشين على المعتصم من الغد، وهو بأنقرة فأقاموا ثلاثة أيّام، ثمّ جعل [١٨٤ أ] المعتصم العسكر ثلاث فرق:
فرقة فيها أشناس في الميسرة، وفرقة في الميمنة مع الأفشين، وركب [هو] في القلب ومعه فرقة.
وجعل بين كلّ فرقة وأخرى فرسخين، وأمر كلّ عسكر من هذه الثلاث فرق أن تكون له ميمنة وميسرة، وأن يحرقوا القرى ويخرّبوها، ويأخذوا من فيها، فيما بين أنقرة وعمّوريّة، ومسافة ما بينهما سبع مراحل. ففعلوا ذلك حتّى وافوا عمّوريّة لستّ خلون من شهر رمضان في جمع عظيم، قيل: تسعمائة ألف، وقيل: أزيد من ثلاثمائة ألف.
فقدمها أوّلا أشناس، ثمّ تلاه المعتصم، وبعده الأفشين، فأحاطوا بها، وجعل لكلّ قائد برج.
فدلّ بعض من كان بعمّوريّة من المسلمين المعتصم [على] موضع من السور قد وقع، فضرب خيمته تجاه ذلك الموضع، ورمى عليه بالمجانيق حتّى تصدّع السور. فكتب متولّي عمّوريّة إلى ملك الروم بذلك، ويعلمه بأشياء من أمورهم، وسيّره مع رجلين من ثقاته. فظفر بهما المعتصم وبالكتاب، فأمر لهما ببدرة- وهي عشرة آلاف درهم- وخلع عليهما، وقد أسلما، وأمر بهما فطافا حول عمّوريّة حتى رآهما الروم فسبّوهما.
وألحّ الرمي على السور حتّى انهدم ما بين برجين. وكان المعتصم قد طمّ الخندق بجلود الغنم المملوءة ترابا (١). وعمل دبّابات كبارا تسع الواحدة منها عشرة رجال فدحرجها الرجال على
تلك الجلود لتمرّ إلى السور، وعمل سلالم وقاتلهم على الثلمة، وجمع المجانيق عليها ورمى بها. وقاتل أشناس أوّلا، ثمّ عقبه الأفشين من الغد، فقاتل بمن معه، والمعتصم واقف على دابّته في قوّاده. فقال عمرو الفرغانيّ: الحرب اليوم أجود منها أمس!
فشقّ ذلك على أشناس، وكتم ما في نفسه حتّى انصرف عند ما انتصف النهار فيمن انصرف، وسبّ الفرغانيّ وأحمد بن الخليل، فغضبا منه، وتآمرا في أن يقيما العبّاس ابن المأمون.
وركب المعتصم من الغد، فكانت نوبة أيتاخ، فاشتدّت الحرب واتّسع هدم السور، وكثرت الجراحات في الروم، فوقع بين بطارقهم الخلاف، وخرج أحدهم بأصحابه إلى المعتصم فأكرمه وأركبه فرسا. وحمل على السور، فاقتحم المسلمون المدينة من الثلمة. وملكوا عمّوريّة عنوة في يوم الثلاثاء سابع عشرين رمضان.
فحرّقوا كنيستها على من فيها. وأخذ باطش متولّي عمّوريّة وسبق هو والأسارى والسبي بعد ما أخذ الروم السيف، فعزل المعتصم أكابرهم وقتل من سواهم، فبلغت عدّة القتلى ثلاثين ألفا، وعدّة السبي مثل ذلك، فيهم ستّون بطريقا، فضرب أعناق أربعة آلاف ونيف من الأسرى، ولم يزل يقتل فيهم في مسيره ويحرق ويخرّب. وبيعت الغنائم مدّة خمسة أيّام، وأحرق ما بقى، وهدّمت عمّوريّة وأحرقت. ورحل عنها بعد ما أقام عليها خمسة وخمسين يوما. وفرّق الأسرى على القوّاد، وحمل باب عمّوريّة إلى بغداد فعمله على أحد أبواب دار الخلافة، وسار نحو طرسوس في يوم السبت ثالث عشرين شهر رمضان.
فبلغه ما همّ به الفرغانيّ وغيره [١٨٤ ب] من مبايعة العبّاس ابن المأمون، وأنّهم تواعدوا على
(١) الطبريّ ٩/ ٦٥.