للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الحسين [حربويه]. وكان جلدا. وكانت فتيا أكثر أهل مصر في وقته إليه، وحدّث بشيء يسير.

وقال ابن الطحّان: يروي عن محمد بن عمر الأندلسيّ، وكان من أهل الستر والتعبّد.

وقال ابن حارث: كان فقيه مصر في وقته، وكانت له حلقة في جامعها، وبه يلوذ كلّ مالكيّ بها إلّا قليلا. وتناظر [٢١٩ ب] عنده فقهاء من القرويّين.

وكان يجلس للتفقّه بجامع الفسطاط من صلاة الصبح إلى الزوال، ومن الظهر إلى العصر.

وقال الشيخ أبو إسحاق [الشيرازي في طبقات الفقهاء]: تفقّه على يوسف بن يحيى المغاميّ (١)، وسمع منه أبو الطاهر محمد بن عبد الغنيّ.

وقد تقلّد أبو الذكر هذا قضاء مصر مرّتين:

الأولى بعد أبي عبيد ابن [حربويه] [إذا] استخلفه أبو يحيى عبد الله بن إبراهيم بن مكرّم البغداديّ، قاضي بغداد وفلسطين والرملة ومصر من قبل المقتدر بالله. وذلك أنّ ابن مكرّم لمّا تقلّد القضاء [ببغداد] كتب [كتابا] إلى أبي الحسين محمد بن عبد الوهّاب صاحب خراج مصر [ومدبّر أمرها] وضمّنه كتاب السلطان إلى أبي عبيد [بن حربويه] بالتسليم [والصرف]، وكتب أيضا إلى أربعة [من أهل مصر- منهم أبو جعفر الطحاوي] أن ينظروا رجلا يصلح للقضاء.

فلمّا ورد الكتاب بصرف أبي عبيد لم يكن في نفس أبي الحسين بن عبد الوهّاب [عامل مصر] أنفس من أبي جعفر الطحاويّ فأرسل إليه ودفع له الكتاب فأخذه أبو جعفر، واشتهر أمر الكتاب فأمسك أبو عبيد عن الحكم.

وخشي الجماعة أن يحتوي أبو جعفر على الأمر كلّه ويصيروا أتباعا له، فاتّفقوا على أن لا ينظر واحد منهم واجتمعوا عند أبي الحسن علّان بن سليمان أحد الشهود، ونظروا من يصلح فوقع اختيارهم على أبي بكر محمد بن عليّ العسكريّ الشافعيّ أحد الشهود وسألوه فامتنع.

هذا وكلّهم لا يريد الطحاويّ، فقال لهم أبو العبّاس موسى بن عبد الملك: أنا أعرف لكم رجلا طوع أيديكم، فأنا أراعيه كلّ ليلة ينظر في حلقة المالكيّين، وقد كنت عرضت عليه النظر في الأحباس فامتنع.

قالوا: من هو؟

قال: أبو الذكر التمّار.

قالوا: يصلح.

وتعصّبوا له لأنّه لم يكن فيهم إلّا مالكيّ، فاحتالوا على الطحاوي حتى أخذوا الكتاب منه ومضوا به إلى أبي عبيد، فلمّا دخلوا عليه بأبي الذكر ليتسلّم منه قال له: «تسمّ! » فتسمّى له، فقال لهم: أليس الرجل الذي طلبته منكم لقضاء أسوان فما رضيتموه؟ أتيتموني في ساعة واحدة بقاضي مصر!

ثمّ دعا بالديوان فسلّمه إليه لليلتين خلتا من ذي القعدة سنة إحدى عشرة وثلاثمائة.

فنظر في الأحكام والأموال، وتصلّب في طلب الحساب من الأمناء وبالغ في ذلك، فكان من جملة المطلوبين في ذلك الفقيه أبو بكر محمد بن أحمدالحدّاد.

وقلق جماعة من أهل البلد بخروج القاضي أبي عبيد [بن حربويه] من القضاء والبلد وتأسّفوا على فراقه فأخذوا في تشييعه. فأرسل إليهم [أبو الذكر] يمنعهم من ذلك وقال لهم: «في أيديكم أموال فسلّموها! » [٢٢٠ أ] وأسمعهم المكروه. فتأخّروا


(١) المغاميّ القرطبي (ت ٢٨٨): أعلام النبلاء ١٣/ ٣٣٦ (١٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>