للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وتسعين وسبعمائة، عوضا عن بدر الدين محمد بن أبي البقاء [١١٨ أ]، فباشر الحكم بمهابة زائدة، وحرمة وافرة، مع عفّة ونزاهة. إلّا أنّه استكثر من النوّاب في الحكم، كأنّه يريد بذلك تألّف قلوب أهل مصر، لما كان عنده من الوهم منهم، فعيب عليه ذلك. وعيب عليه أيضا الإمساك وقلّة العلم.

وقام أبو عبد الله المغربيّ (١) بعداوته، وما زال يغري السلطان به حتّى صرفه عن القضاء في يوم الاثنين ثاني المحرّم سنة خمس وتسعين [وسبعمائة] بصدر الدين محمد بن إبراهيم المناويّ، من غير جرم ولا خيانة، سوى قلّة الدربة بمصطلح أهل مصر. وجعل له في نظير القضاء تدريس الفقه بوقف الملك الصالح عماد الدين إسماعيل بن محمد بن قلاوون على القبّة المنصوريّة، [١٠٣ ب] وتدريس الفقه (٢) بالجامع الطولونيّ. فباشر ذلك وصار يتردّد إلى السلطان، والناس توجب له حقّ الرعاية، إلى أن وردت وفاة سريّ الدين محمد بن المسلاتي خطيب القدس.

فتحدّث مع السلطان في خطابة القدس، فأجابه إلى ذلك في يوم الخميس سابع عشرين شهر رجب سنة تسع وتسعين وقلّد الخطابة والإمامة بالمسجد الأقصى، وتدريس الصلاحيّة بالقدس. فسار من القاهرة وباشر ذلك على حال انجماع (٣) عن الناس

وإقبال على ما يعود عليه نفعه عند الله، حتّى قبضه الله إليه في يوم الجمعة سادس عشرين شهر ربيع الأوّل سنة إحدى وثمانمائة. ودفن هناك.

وكان رحمه الله ثبتا في أحكامه، صادقا في مقاله، كثير الصدقة مع الإمساك في الإنفاق وقلّة العطاء في غير هذا الوجه. وكان يلازم قيام الليل ويواظب على تلاوة القرآن، ويسرد الصيام، مع البعد عن كلّ ما يشين المرء في دينه.

وتردّد إلى القاهرة قبل ولايته القضاء مرارا.

وأقام بدمشق مدّة، وسمع بها على ابن جملة (٤).

وحلف لي غير مرّة أنّه منذ تقلّد القضاء بالكرك وديار مصر، لم يتعمّد حكما باطلا، ولا قبل رشوة، ولا أكل مال يتيم، ولا مال وقف بباطل- ولقد صدق في هذا: فإنّا بلوناه فما رأينا فيه ما يعاب به سوى كثافة حجّابه أيّام تقلّده القضاء، ومحبّته للتعظيم، وترفّعه، وإعجابه بمن يمدحه.

ولقد اعتذر لي عن ذلك بما يقبل منه: وهو ما خوّف به من أهل مصر (٥) وكثرة انتقادهم وظنونهم


- بإصلاح نفسه ولزم بيته وترك خلطة الخلق والتجأ إلى حياة الحقّ، لا سيّما في زماننا الذي بلينا فيه بالتصدير الذي تنقطع به القلوب حسرات. أسأل الله اللطف. كتبه حسن العطّار المولّى مسجد الأزهر لطف الله به.
(١) نقل الدرويش والمصريّ في طبعتهما الجزئية لدرر العقود ١/ ١٦٢ هـ ٦ حاشية تعرّف بأبي عبد الله المغربيّ: محمد ابن سلامة التوزري، توفي سنة ٨٠٠. ولم ينقل الدكتور الجليليّ هذه الإضافة في طبعته الكاملة ج ١/ ١٦٤.
(٢) عوضت كلمة فقه الثانية بكلمة حديث بدون شطب، ولعلّ التصويب من ابن حجر، ولا مانع من أن يكون المترجم درّس الفقه هناك ثم هنا ..
(٣) في يمين الصفحة تعليق هامشيّ على ذكر كلمة انجماع:
هنيئا لمن رزقه الله نعمة الانجماع عن الناس فاشتغل-
(٤) لا نعرف ابن جملة.
(٥) تعليق آخر من حسن العطّار بمناسبة عبارة ما خوّف به من أهل مصر. هو معذور في ذلك، فو الله الذي لا إله إلّا هو إنّي حين بليت بمسجد الأزهر وشاهدت ما شاهدت من انحراف المصريّين وعزلت نفسي باختياري رجاء حصول نعمة الفراغ والتباعد عن الناس فما تمكّنت من ذلك فصرت أتحيّل في التخلّي وأفرّ من طرف إلى طرف بحيث لو أمكنني أن أتّخذ حجابا من حديد يحول بيني وبين الخلطاء والقرناء والدعاوي التي لا أستطيع حملها ولا أتحمّل ثقلها لفعلت، وغاية ما في وسعي أن أتوجه إلى الله سبحانه أن يخرجني من هذه الدار غير مفتون، بمنّه وإحسانه.-

<<  <  ج: ص:  >  >>