إلى الشام بطّالا كما ذكر في ترجمته (١). فشقّ ذلك على الأمير سلار لمحبّته الجاولي، وكادت الفتنة أن تقوم بينه وبين بيبرس من أجل ذلك حتّى دخل الأمراء بينهما.
وصرف الوزير سعد الدين محمد بن عطايا، فعيّن سلار ابن سعيد الدولة للوزارة عوضه، فدافعه بيبرس عنه وقال: أنا عرضتها عليه فلم يرضها.
فقال سلار: دعني وإيّاه.
وبعث إليه. فلمّا دخل عليه أظهر التنكّر وصاح بانزعاج: هاتوا خلعة الوزارة!
فأحضرت للوقت. فأشار [٢٩ ب] له بلبسها فامتنع. فصرخ فيه وحلف إن لم يلبسها ليضربنّ عنقه، واشتدّ في هذا. فلم يسعه إلّا موافقته خوفا من بطشه به، لما يعلمه من شدّة بغضه له. ولبس الخلعة في يوم الخميس النصف من المحرّم سنة ستّ وسبعمائة، وقبّل يد الأمير سلار، فبشّ له ووصّاه.
ثمّ خرج له من دار النيابة بالقلعة إلى قاعة الصاحب بها، وبين يديه الحجّاب والنقباء.
فأحضرت له دواة الوزارة والبغلة على العادة، وجلس في الشبّاك [١٢٠ أ] ووقّع ونفّذ الأمور إلى بعد العصر [ثمّ] مضى إلى داره بالقاهرة. فسرّ بيبرس بموافقته، وأعجبه ذلك عجبا كبيرا.
وبكّر الناس يوم الجمعة إلى دار الوزير للركوب في خدمته على عادة الوزراء. فأقاموا ببابه زمانا، وإذا بغلامه قد خرج إليهم وقال: يا جماعة، القاضي عزل نفسه ومضى إلى زاوية الشيخ نصر المنبجيّ- فتفرّقوا عن بابه. وكان هو قد مضى إلى الزاوية في الليل وبعث بخلعة الوزارة إلى الخزانة
السلطانيّة بالقلعة، وأقام عند الشيخ نصر مستجيرا به. فكتب نصر إلى الأمير بيبرس يشفع فيه ويقول: إنّه استشفع بي في الإعفاء من الوزارة والتزم أنّه لا يباشرها أبدا، وعزم على الانقطاع مع الفقراء بالزاوية ليعبد الله (تعالى).
فأخذ بيبرس ورقة نصر وأوقف عليها الأمير سلار، وما زال به حتّى أعفاه، بشرط أن يحضر ليؤخذ رأيه فيمن يلي الوزارة. فاستدعاه بيبرس فحضر، ودخل إلى سلار واعتذر إليه فقبل عذره، وأشار بوزارة ضياء الدين عبد الله بن أحمد النشائيّ ناظر الدواوين، فولي في ثامن عشرينه وباشرها وليس له منها سوى الاسم لا غير، وجميع التنفيذ والتصرّف إلى ابن سعيد الدولة.
فلمّا كان يوم الخميس سادس صفر، خلع عليه مشير الدولة وناظرا على الوزراء بديار مصر وسائر بلاد الشام، ومتفرّدا بنظر البيوتات والأشغال المتعلّقة بالأستداريّة، ونظر الصحبة، ونظر الجيوش، وكتب له توقيع سلطانيّ لم يكتب لمتعمّم توقيع مثله. فصار يجلس بجانب الأمير سلار نائب السلطنة فوق سائر المتعمّمين. ونفذ حكمه وتصرّف قلمه في كلّ أمور الدولة، وألان له الوزير جانبه، وخفض جناحه بكلّ ممكن، فانفرد بالرئاسة إلى أن استبدّ بيبرس بالسلطنة وتلقّب بالملك المظفّر. [ف] استدعاه في يوم [٣٠ أ] الاثنين خامس عشرين شوّال سنة ثمان وسبعمائة، وعرض عليه الوزارة فامتنع، وأشار باستمرار الصاحب ضياء الدين على حاله، وأن يتولّى [هو] التدبير. فأجيب إلى ذلك وخلع عليه خلعة سنيّة، فزاد تمكّنه وعظم شأنه حتّى صار يقف على أجوبة البريد إلى النوّاب بممالك الشام، ويكتب عليها، وذلك أنّه برز مرسوم السلطان بأنّه لا يكتب عن السلطان شيء من سائر الدواوين حتّى يعرض على
(١) ترجمة مفقودة مع حرف السين.