للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أمير المؤمنين الحاكم بأمر الله أبو عليّ منصور ابن العزيز نزار قاضي القضاة أبا الحسن مالك بن سعيد بن مالك الفارقيّ وشغر منصب القضاء مدّة.

وكان الحاكم قد نوّه بذكر أبي الفضل جعفر الضرير، لما أعجبه من معرفته بالنحو واللغة وعلوم الشريعة، وقرّبه وخلع عليه وأقطعه، ولقّبه ب «عالم العلماء». فسأله يوما عن الناس واحدا واحدا، فذكر أبا العبّاس أحمد بن أبي العوّام وغيره. فوقع الاختيار على أبي العبّاس، فقيل للحاكم: ما هو على مذهب أهل البيت، غير أنّه ثقة مأمون، عارف بالقضاء، عارف بالناس، وما في مصر من يصلح لهذا الأمر غيره- فما قام أبو الفضل الضرير من مجلس الحاكم حتى أحكم الأمر. فتقدّم أمر الحاكم بكتابة سجلّ أبي العبّاس ابن أبي العوّام. وجمع في يوم الأحد حادي عشرين شعبان سنة خمس وأربعمائة الأولياء، والعرائف، والشهود، والأمناء، والفقهاء بالقصر، واستدعى أبا العبّاس ابن أبي العوّام فخلع عليه غلالة، وثوبا مسمّطا، وقميصا ديبقيّا معلّما مذهبا، وعمامة شرب كبيرة مذهبة [١٢٩ أ]، وطيلسانا محشيّا (١) مذهبا. وأعطي سجلّ القضاء، فوقف على رجليه، وقرأ سجلّه أبو جعفر العبّاديّ.

وحمل على بغلة بسرج ولجام مصفّح مذهّب، وقيد بين يديه بغلة أخرى بسرجها ولجامها. وسار ومعه الشهود والأمناء إلى الجامع العتيق بمصر، فقرئ سجلّه على المنبر، وفيه، بعد تقريظه والإشادة به ومدحه: فقلّدك أمير المؤمنين الصلاة والقضاء والخطابة بحضرته، والحكم فيما وراء حجابه بالقاهرة المعزّيّة، ومصر المحروسة، وأعمالها، وكورة الإسكندريّة، والحرمين الشريفين، وبرقة،

والمغرب، وصقلّية، مع الإشراف على دور الضرب في هذه الأعمال، والنظر في أحباس الجوامع والمساجد، وأرزاق المرتزقة، ووجوه البرّ.

ولم يجعل إليه قضاء فلسطين من أجل أنّه بيد الشريف أبي طالب ابن بنت الزيديّ [الحسيني] (٢).

فاستخلف أبو العبّاس على الحكم، ونقل ديوان الحكم من دار مالك بن سعيد، وجميع حجج الناس، وما يتعلّق بالأحكام، إلى بيت المال الذي بجامع عمرو، وهو أوّل من فعل ذلك، وإنّما كانت دواوين الحكّام في دورهم، فجعلها في الجامع، إلّا ما يتعلّق به وبنظره فإنّه أقرّه في داره (٣).

ورسم أن يحضر مجلسه طائفة من الفقهاء في ترتيب نوبهم وجلوسهم في دار العلم التي بالقاهرة ليردّوه إذا حكم إلى مذهب أهل البيت. ورتّب جلوسه بالجامع العتيق في يوم الاثنين ويوم الخميس، وفي القاهرة بالجامع الأزهر في يوم الثلاثاء، وفي القصر في يوم السبت ليطالع الحاكم بما يجري من الأحكام والشهود والأمناء، وغير ذلك من تعلّقات الحكم، ويوم الجمعة يركب مع الحاكم، و [رسم] أن يجعل راحته يوم الأربعاء بدار اشتراها بالقرافة ينقطع فيها يومه إلى المغرب فيتعبّد ويخلو بمن يريد من الشهود وغيرهم.

فبكّر الناس في يوم الاثنين صبيحة ولايته إلى داره، ومضى إلى الجامع ونظر بين الخصوم، وصلّى بالناس الظهر والعصر، وانصرف على رسم القضاة.

وحضر الجامع في شهر رمضان، وتولّى ما


(١) عوض محشوّا. انظر دوزي في المادّة. والشرب قماش من الحرير الرقيق، ومنه لفظ echarpe الفرنجيّة.
(٢) الزياد من الكندي ٦١١.
(٣) اتّعاظ الحنفاء ٢/ ١٠٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>