للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثمّ عاد إلى تونس وأقام بها. وكان يعلّم الصبيان ويؤمّ بمسجد. ثمّ ترك تعليم الصبيان وأقبل على الوعظ.

وصنّف نحوا من أربعين كتابا، منها كتاب في الوعظ يتداوله الناس ببلاد إفريقيّة، كما يتداولون كتب ابن الجوزيّ، ولا غنى بهم في [٨٧ ب] الوعظ عنه.

ومنها كتاب شرح الأسماء الحسنى في مجلّدين كبيرين، ضمّنه فوائد جمّة.

وكتاب شمس المعارف في علم الحرف، وهو عزيز الوجود، يتنافس الناس فيه ويبذلون فيه الأموال الجزيلة.

وكتاب اللمعة النورانية. وكتاب الأنماط.

وكان كثير الانقطاع والعبادة من التهجّد والصوم، يلازم الإمساك عن الطعام في أكثر أوقاته ويؤثر العزلة على مخالطة الناس، ويخرج في أغلب الأيّام إلى جبل ماكوض (١) على البحر شرقيّ تونس على يومين منها، فيقيم به.

ولم يكن له أولاد ولا أتباع لإعراضه عن ذلك.

وتؤثر عنه أحوال عجيبة من الخطوة (٢) في المشي والاختفاء عن الناس والاحتجاب عنهم: فساعة هو معك تراه، وساعة يغيب عنك ويتوارى في الطريق فلا يظهر لك إلّا بعد أسبوع وأكثر.

وكان كثيرا ما يأتي بما يقترح عليه من الفواكه والخضراوات في غير أوانها، ويأتي إلى النساء أولات الحمل بذلك في غير حينه فيقرع أبوابهنّ ليلا ونهارا ويقول: خذوا شهواتكنّ لعلّ الله ينفعنا بسببكنّ.

ولم يكن في زمنه ببلده أحسن خلقا ولا أكثر معرفة بعلم الحساب والحروف منه [ح ٢] حتى إنّه كان يقال له: كنديّ [ح ٣] الزمان. ويقال إنّ الحروف كانت تخاطبه فيعلم منها منافعها ومضارّها.

وقال له الحافظ ابن عساكر بدمشق: إنّ الناس يذكرون أنّ هذه الدولة الفاطميّة قرب زوالها.

فقال: وكذلك الدولة العبّاسيّة أيضا. ولكنّ الدولة الفاطميّة آن زوالها وحان، والدولة العبّاسيّة قرب وكاد، وليس بين الدولتين إلا قريبا من تسعين سنة.

قال: فمن يكون بعدهم؟

قال: قوم لا يعبأ الله بهم، وإن أحسنوا. هم كالنّمر مع البقر أو كالذئب مع الغنم، يؤيّد الله بهم هذا الدين ويعمر بهم الشام والحجاز واليمن ومصر والجزيرة: هم الذين وقعت فيهم الإشارة من صاحب الشريعة حيث قال (صلّى الله عليه وسلم): «إنّ الله ليؤيّد هذا الدين بالرجل الفاجر» (٣)، فمارأيت أكثر منهم عملا تظاهرا بفجور إذا ظهروا.

فقال له ابن عساكر: فبلادك أنت؟

فقال: يظهر فيها بعد هؤلاء الذين بها قوم سوء ثمّ قوم سوء، ثمّ قوم سوء.

[قال]: فما وراء ذلك؟

قال: كذلك حتى ينزل عيسى بن مريم عليه السلام.

وقال له الحافظ السلفيّ يوما: إنّ أهل بلدنا- يعني الإسكندريّة- يذكرون عنك أنّ عندك شيئا من علم الغيب!

فقال له: قال الله عزّ وجلّ: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي


(١) لم نعرف هذا الجبل في جبال بلادنا. وقد يكون جبل عبد الرحمن بالوطن القبليّ أو جبل قربص.
(٢) لم نفهم الخطوة في المشي.
(٣) هذا الحديث عند البخاري بأرقام ٣٠٦٢، ٤٢٠٣، ٦٦٠٦ من فتح الباري وعند مسلم رقم ١٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>