للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فإن كان الخالق لها [هو] الذي نقوله نحن، فما أنت بأرأف منه بخلقه ولا بأحكم منه في تدبيره.

وإن كانت الطبائع [هي] المحدثة لذلك على مذهبك، فما أنت بأحذق منها ولا أتقن صنعة ولا أحكم عملا حتى تعطّلها ويكون رأيك وعقلك أوفى منها وأرجح، وأنت من إيجادها غير محسوس عندها- فأمسك.

وقال الصاحب أبو القاسم كمال الدين عمر بن [أحمد بن] أبي جرادة الحلبي (١) في كتاب «الأنصاف والتحرّي، في دفع الظلم والتجرّي، عن أبي العلاء المعرّي»: وهذا يبعد وقوعه من أبي نصر المنازي، فإنّه كان قدم على أبي العلاء، وحكى ما أخبر به الحافظ السلفيّ. قال: سمعت أبا الحسن المرجّى بن نصر الكاتب يقول: سمعت خالي الوزير أبا نصر أحمد بن يوسف المنازيّ يقول: بعثني نصر الدولة أبو نصر أحمد بن مروان سنة من ميّافارقين إلى مصر رسولا، فدخلت معرّة النعمان واجتمعت بأبي العلاء التنوخيّ وجرت بيننا فوائد. فقال أصحابه فينا قصائد، ومن جملتها هذه الأبيات [البسيط]:

[٩٠ أ] تجمّع العلم في شخصين فاقتسما ... على البريّة شطريه وما عدلا

جاءا أخيري زمان ما به لهما ... مماثل وصل الحدّ الذي وصلا

أبو العلا وأبو نصر هما جمعا ... علم الورى، وهما للفضل قد كملا

هذا كما قد تراه رامح علم ... وذاك أعزل للدنيا قد اعتزلا

لولاهما تقفّر (١) العلم عن حكم ... أو لافترى صاحب التمويه إذ سئلا

[١٦٥ ب] يا طالب الأدب اسأل عنهما وأهن (٢) ... إذا رأيتهما أن لا ترى الأولا

خذ ما تراه ودع شيئا سمعت به ... فطلعة البدر تغني أن ترى زحلا

(قال) فلو كان المنازيّ واجه أبا العلاء بهذا الكلام القبيح، لما مدح أصحابه أبا نصر بما ذكره.

وقد قال أبو نصر المنازيّ في أبي العلاء أبياتا خاطبه بها في مدحه [البسيط]:

لله لؤلؤ ألفاظ تساقطها ... لو كنّ للغيد ما استأنسن بالعطل

ومن عيون معان لو كحلن بها ... نجل العيون لأغناها عن الكحل

سحر من اللفظ لو دارت سلافته ... على الزمان تمشّى مشية الثمل

فمن هذا خطابه له وذكره لما قيل فيهما، كيف يصحّ عنه أنّه يواجهه بهذا الكلام الفاحش؟

وقال القاضي شمس الدين أحمد بن إبراهيم ابن خلّكان: وكان قد اجتاز في بعض أسفاره بوادي بزاعا فأعجبه حسنه فعمل هذه الأبيات [الوافر]:

وقانا لفحة الرمضاء واد ... وقاه مضاعف النبت العميم

نزلنا دوحه فحنا علينا ... حنوّ المرضعات على الفطيم

وأرشفنا على ظمإ زلالا ... أرقّ من المدامة للنديم


(١) هو ابن العديم صاحب زبدة الطلب (ت ٦٦٠) - الزركليّ ٥/ ١٩٧. وقد نشرت رسالة الإنصاف والتحرّي في مجموع تعريف القدماء بأبي العلاء، دار الكتب ١٩٤٤ ص ٤٨٣.
(٢) قراءة ظنيّة.

<<  <  ج: ص:  >  >>