للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

شيئا من السنّة (١) فافرح به. فجعل الرجل يدعو له فيقول أبي: ولجميع المسلمين. ثمّ قال لي:

اقبض من السكّان دراهم واشتر تمرا وكفّر عنّي كفّارة يمين فاشتريت وكفّرت؟ وأخبرته.

فقال: الحمد لله.

قلت: وزاد الدينوري في كتاب المجالسة (٢) أنّ الإمام أحمد قال: فإنّي حنثت في دهري في يمين واحدة- ثمّ قال لي: أحضر الوصيّة واقرأها- وكان كتبها قبل ذلك- فقرأتها فأقرّها على ما هي عليه، ونسخة كتاب الوصيّة:

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا ما أوصى به أحمد بن حنبل رضي الله عنه:

أنّه يشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وأنّ محمّدا رسول الله أرسله بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [التوبة: ٣٣]، وأوصى من أطاعه من أهله وأقاربه أن يعبدوا الله في العابدين ويحمدوه في الحامدين وأن ينصحوا لجماعة المسلمين.

وأوصي أنّي قد رضيت بالله ربّا وبمحمد صلّى الله عليه وسلم نبيّا ورسولا، وبالإسلام دينا.

وأوصي أنّ لعبد الله بن محمد المعروف بفودان عليّ نحو (ا) من خمسين دينارا وهو مصدّق فيما قال فيقضى ما له عليّ من غلّة الدار إن شاء الله، فإذا استوفي أعطي ولد (هـ) صالح وعبد الله كلّ ذكر وأنثى عشرة دراهم عشرة دراهم، اه (٣).

(قال) واشتدّت به العلّة يوم الخميس فلمّا كان يوم الجمعة اجتمع الناس حتّى ملئوا السكك والشوارع. قال حنبل: وكان عنده ثلاث شعرات من شعر النبيّ صلّى الله عليه وسلم فأوصى عند موته أن يجعل على لسانه شعرة وعلى كلّ عين شعرة، ففعل به ذلك عند موته.

قال ولده عبد الله: قال لي أبي في مرضه الذي توفّي فيه: أخرج لي كتاب عبد الله بن باديس، فأخرجت الكتاب، فقال: أخرج أحاديث ليث بن أبي سليم (٤) فأخرجتها. فقال لي: اقرأ عليّ حديث ليث: قلت لطلحة إنّ طاوسا كان يكره الأنين في المرض فما سمع له أنين حتى مات رحمه الله. فقرأت ذلك على أبي فما سمعته أنّ في مرضه إلى أن توفّي.

قلت: وأسند الدينوري في كتاب المجالسة عن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: لمّا مرض أبي واشتدّ مرضه ما أنّ، فقيل له في ذلك فقال: بلغني عن طاوس أنّه قال: أنين المريض شكوى الله عزّ وجلّ. قال عبد الله: فما أنّ حتّى مات.

وقال عبد الله: لمّا حضرت أبي الوفاة جلست عنده وبيدي خرقة أشدّ بها لحييه فجعل يغرق (٥) ثمّ يفيق ثمّ يفتح عينيه بيده- هكذا- ويقول: لا بعد! ثلاث مرّات. فلمّا كان في الثالثة قلت له: يا أبت، أيّ شيء هذا؟ قال: ما هو؟ قلت: الذي قد لهجت به في هذا الوقت: تعترق حتى نقول: قد قضيت


- ولدي فيكون أعطي بالمعلوم وبالإسناد إلى الموصي.
(١) أي: يخضب بالحنّاء كما كان الرسول (صلّى الله عليه وسلم) يفعل.
(٢) كتاب المجالسة في الحديث للدينوري أحمد بن مروان (ت ٣١٠): الزركلي ١/ ٢٤١.
(٣) في البداية والنهاية ١٠/ ٣٤١: ... أعطي ولد صالح كلّ ذكر وأنثى عشرة دراهم. وفي المخطوط: ولدي ولعلّها-
(٤) ليث بن أبي سليم (ت ١٣٨): أعلام النبلاء ٦/ ١٧٩ (٨٤). وطاوس بن كيسان (ت ١٠٦) أعلام النبلاء ٥/ ٣٨ (١٣)، وحديث ليث جاء بلفظ مغاير وغير منسوب إلى طاوس في ص ٤٧.
(٥) غرق بوزن فرح: أغمي عليه، ولم نجدها في اللسان، وعند دوزي: فهو تارة يفيق وتارة يستغرق.

<<  <  ج: ص:  >  >>