للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وانصرف لمتّجهه. فجاءته رقعة أبي عليّ ومعها عشرة آلاف دينار ليتحمّل بها، وكتب له على دمشق بخمسة آلاف دينار وإلى بغداد بعشرة آلاف دينار. فأتى إليه وقال: يا سيّدي، وما أصنع بهذا كلّه؟

فقال: إنّه عليك في بغداد مؤونة، وإن احتجت إلى شيء آخر، فخذ من فلان واكتب له سفاتج (١) عليّ.

فسار بالحساب إلى أن دخل على الوزير عليّ بن عيسى بن الجرّاح. فلمّا مثل بحضرته قال له: أنت صاحب أبي زنبور؟

فقال: أنا صاحب خادمك الحسين بن أحمد.

قال: لعمري إنّه الحسين بن أحمد، ولكن أنت صاحب أبي زنبور.

فقال: أنا صاحب خادمك الحسين بن أحمد.

فقال: كم هذه؟ أنت صاحب أبي زنبور!

قال: أنا صاحب خادمك أبي عليّ الحسين بن أحمد أيّده الله ببقائك!

فقال: انظروا موضعا من الديوان يكون فيه، ووكّلوا به من يكون معه.

قال إسحاق: ما سمعت بهذا! رجل ليس قبله تبعة، إنّما ورد بقراطيس فيها حساب بما ليس في ذمّته. والله ما أبالي بطل أو صحّ.

فقال الوزير: إنّه ثمانية آلاف ألف دينار.

فراجعه مرارا إلى أن قال للوزير شابّ في مجلسه: عليّ ضمانه، أيّد الله الوزير!

فقال الوزير: يا هذا، إنّه ثمانية آلاف ألف دينار.

فقال: تكون ماذا؟

فقال الوزير: خذوا خطّه!

فأخذ الشاب الدواة والدرج. فقال إسحاق لبعض من حضر: من هذا الشابّ؟

فقال: هذا ابن حوارى.

فلمّا كتب وقرأه الوزير، قال لإسحاق: انصرف حيث شئت.

فخرج إسحاق ووقف على باب الوزير إلى أن خرج ابن حوارى فدعا له وشكره وقال له: أعان الله على شكرك ومكافأتك.

ومشى معه إلى داره. فلمّا وصلها قال: يا سيّدي، أين تأمر أن أكون؟

فالتفت إليه وقد حرد وقال: في لعنة الله! أتراني ضمنتك لأحفظك؟ حرج عليك ألّا ركبت الساعة البرّيّة أو سفينة ومضيت إلى مصر. والله لولا أن تظنّ أنّه احتياط عليك لما أنزلتك إلّا في داري. ولكن اكتب إلى صاحبك أنّ له بظهر الغيب من يعمل هكذا.

فأقام إسحاق [١٤١ ب] بالعراق ما شاء، وكتب بذلك إلى أبي عليّ. وكتب إلى أولاده كتابا يتشوّق فيه إليهم. فدخل ابناه إلى أبي عليّ. فعند ما رآهما قال: جاءكما كتاب أبي يعقوب؟

قالا: - نعم- وتدمّعا.

فقال: إيش هذه؟ شوقا إليه؟ عن قريب يأتي بمشيئة الله تعالى كما نختار، ولكن بكّروا لديّ في غد لمهمّ أذكره لكما.

فبكّرا إليه فوجدا أربع جمّازات (٢) نوق، واحدة عليها قبّة، والأخرى جنيبة مجهّزة، واثنتان محمّلة بما يحتاج إليه. فحملا في القبّة وأنفذا إلى أبيهما، فلم يشعر حتّى دخلا عليه في بغداد. فقال: إيش هذا؟


(١) السفتجة هي الحوالة الماليّة.
(٢) الجمّازات: آلة الإبل ممّا يحمل عليه كالأقتاب ونحوها.

<<  <  ج: ص:  >  >>