للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أعين بإبراهيم بن الأغلب، وذكر له ما رآه من عقله ودينه وكفايته، وأنّه قام بحفظ إفريقيّة على ابن مقاتل.

فوّلاه الرشيد في المحرّم سنة أربع وثمانين ومائة. ووصلته الولاية في جمادى الآخرة فانقمع الشرّ وضبط الأمر، وسيّر تماما وكلّ من توثّب على الأمر إلى الرشيد ببغداد، فسكنت البلاد.

وابتنى مدينة سمّاها العبّاسيّة بالقرب من القيروان، وانتقل إليها بأهله وعبيده، وتحصّن بها لما رأى من تحكّم العرب وغلبتهم على ولاة إفريقيّة.

وخرج عليه في سنة ستّ وثمانين [ومائة] حمديس (١) بمدينة تونس، ونزع السواد، وكثف جمعه. فبعث إليه عمران بن مخلد على عسكر كثير فقاتله وقتل ممّن معه عشرة آلاف، وملك تونس.

ثم إنّ إدريس بن إدريس بن عبد الله بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب كثر جمعه بأقاصي الغرب، وهمّ بغزو إفريقيّة. فقصد إبراهيم غزوة، ثمّ رأى أنّ الحيلة أنجع له، فأهدى إلى بهلول بن عبد الواحد القيّم بأمر إدريس، وما زال حتى انضوى إليه وترك إدريس فانحلّ جمعه. فكتب حينئذ إلى إبراهيم يستعطفه ويتلطّف له فكفّ عنه.

ثمّ إنّ عمران بن مخلد (٢) أحد بطانة إبراهيم تنكّر له وفارقه وجمع لحربه واستولى على أكثر بلاد إفريقيّة، وحارب إبراهيم بالعبّاسيّة وقد خندق عليه [٢٢ أ] وامتنع بها مدّة سنة. وبلغ الرشيد ذلك فأمدّه بخزانة مال. فلمّا أتته نادى: «من كان من جند أمير المؤمنين فليحضر لأخذ العطاء»! ففارق

عمران أصحابه وتفرّقوا عنه. فوثب عليهم أصحاب إبراهيم فانهزموا. ونادى فيهم إبراهيم بالأمان والحضور لقبض العطاء، فأتوه فأعطاهم.

وفرّ عمران حتى لحق بالزاب. وقلع إبراهيم أبواب القيروان وهدم سورها فسكن الشرّ بإفريقيّة، وأمّن إبراهيم الناس حتّى مات إبراهيم في يوم الثلاثاء لثمان بقين من شوّال سنة ستّ وتسعين ومائة، عن ستّ وخمسين سنة. ومدّة إمارته اثنتا عشرة سنة وأربعة أشهر وعشرة أيّام.

وكان فقيها عالما أديبا شاعرا خطيبا ذا رأي وبأس وحزم، وعلم بالحروب والمكايد، حسن السيرة. لم يكن أحد قبله يساويه في حسن السيرة وجميل السياسة والعدل.

وكان قد أقام بمصر زمانا، وهو كثير الاختلاف إلى الليث بن سعد للأخذ عنه.

وهو أوّل من غزا صقليّة. وكان يصلّي الخمس في الجامع. فخرج ليلة لصلاة العشاء وهو مشغول القلب، فعثر في حصير فسقط. فلمّا صلّى بالناس وانصرف، استدعى القاضي أبا عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن غانم، وذكر له خبر سقوطه وأمره أن يستنكهه لئلّا يظنّ أنّه سقط لسكر. فاستنكهه فلم يجد به بأسا. فشكر له ذلك.

ومن شعره في ردّه محمد بن مقاتل العكّيّ إلى ملكه بالقيروان [الوافر]:

ألم ترني رددت طريد عكّ ... وقد نزحت به أيدي الركاب؟

أخذت الثغر في سبعين منّا ... وقد أشفى على حدّ الذهاب

هزمت لهم بعدّتهم ألوفا ... كأنّ رعيلهم قطع السحاب

وقال لمّا عمل على راشد جدّ إدريس لأمّه


(١) عند الرقيق ١٨٩: حمديس بن عبد الرحمن الكندي.
(٢) في الوافي: ابن مجالد. وعن الرقيق: ابن مخالد.

<<  <  ج: ص:  >  >>