ويطلبه فيؤتى بسيف من خشب، ويجعل بين يديه زقّ منفوخ، فلا يزال يضربه. وما زال كذلك حتى مات في آخر أيّام معاوية.
وقال أبو عمرو الشيبانيّ: لمّا وجّه معاوية بسر بن أرطاة لقتل شيعة عليّ رضي الله عنه، قام إليه معن- أو عمرو- بن يزيد بن الأخنس السلميّ، وزياد بن الأشهب الجعديّ فقالا:
يا أمير المؤمنين، نسألك بالله والرحم أن [لا] تجعل لبسر على قيس سلطانا فيقتل قيسا بما قتلت بنو سليم من بني فهر وكنانة [يوم] دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلم مكّة.
فقال معاوية: يا بسر، لا إمرة لك على قيس.
فسار حتى أتى المدينة فقتل ابني عبيد الله بن عبّاس، وفرّ أهل المدينة ودخلوا حرّة بني سليم.
وفي هذه الخرجة أغار بسر على همدان وسبى نساءهم- فكنّ أوّل مسلمات سبين في الإسلام- وقتل أحياء من بني سعد.
وذكر أبو بكر بن أبي شيبة عن زيد بن الحباب، قال: حدّثني موسى بن عبيدة: نا زيد بن عبد الرحمن بن أبي سلامة [نا] أبو سلمة عن أبي الرباب وصاحب له أنّهما سمعا أبا ذرّ رضي الله عنه، يدعو ويتعوّذ في صلاة صلّاها أطال قيامها وركوعها وسجودها. (قال) فسألناه: ممّ تعوّذت، وفيم دعوت؟
فقال: تعوّذت بالله من يوم البلاء ويوم العودة.
فقلنا: وما ذاك؟
قال: أمّا يوم البلاء فتلتقي فئتان من المسلمين فيقتل بعضهم بعضا. وأمّا يوم العودة، فإنّ نساء من المسلمات يسبين فيكشف عن سوقهنّ، فأيّتهنّ كانت أعظم ساقا اشتريت على عظم ساقها. فدعوت الله أن لا يدركني هذا الزمان، ولعلّكما تدركانه.
(قال) فقتل عثمان رضي الله عنه، ثم أرسل معاوية بسر بن أرطاة إلى اليمن فسبى نساء مسلمات فأقمن في السوق.
والصحيح أنّ بسر بن أرطاة لمّا سار إلى اليمن استخرج ابني عبيد الله بن عبّاس من بيت أمّ سعيد بنت بزرج بن وهرام من الأبناء (١)، امرأة داذويه بن هرم. واسم ابني عبيد الله بن عبّاس أحمد ومحمد، وأمّهما عائشة بنت عبيد الله بن عبد الله بن عبد المدان الحارثيّ، فذبحهما على درج القصّابين عند باب مدينة صنعاء، وذبح على دمائهما سبعين شيخا من الأبناء- هكذا نقلته من خطّ ابن الكلبي في كتاب «نسب الأبناء» له، وهو عندي بخطّه.
ولمّا صالح الحسن بن عليّ عليه السلام معاوية، اجتمع الناس عنده، وبسر جالس إلى جنب عبيد [٣٠١ أ] الله بن عبّاس، وهو واضع سيفه في حجره، وقائمه إلى عبيد الله، إذ أخذ عبيد الله بقائم السيف فاخترطه، ثمّ قام على رأس بسر وقال: أي عدوّ الله، عمدت إلى صبيّين صغيرين فقتلتهما عبثا؟
فألقى بيده، وقام إليه حبيب بن مسلمة الفهريّ فدخل بينهما، فقال: أسألك بالله والرحم إلّا ما أعطيتني السيف!
فأعطاه إيّاه، وأقبل حبيب على بسر فقال: خذ سيفك، عليك لعنة الله! حمار خبيث! قتلت ابني الرجل، ثم جلست إلى جنبه وأدنيت قائم سيفك منه! والله لو ضربك ما انتطح فيك عنزان! فتفرّقوا.
(١) الأبناء: أولاد الفرس باليمن الذين أنجدوا سيف بن ذي يزن على الحبشة فتزوّجوا وأنجبوا واصطلح على ذرّيتهم بالأبناء (اللسان).