للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كلّ أمير طبلخاناه خمسمائة دينار، وأنفق في جماعة من الأجناد، وفي من حجّ من نساء الأمراء، وفرّق في جميع المجاورين وفي أهل مكّة من الأشراف والفقراء والزيالعة (١) حتى لم يدع أحدا إلّا ووصله بمال، فبلغ مصروفه في هذه السفرة ثلاثين ألف دينار وأربعمائة ألف درهم فضّة، سوى ما حمل في البحر من الغلال وغيرها.

وكان السلطان قد تقدّم إليه بأنّه إذا فرغ من الزيارة بالمدينة النبويّة يمضي على الكرك ليكشف حال الأمير أبي بكر، ابن السلطان، وأنّه يكتب إلى الأمير شطّي (٢) أن يتلقّاه بقربه. فسار من المدينة نحو الكرك فإذا شطّي في انتظاره ومعه نحو أربعمائة فارس. فتخيّل منه وخاف أن يكون قد كتب إليه بقبضه إذا دخل الكرك. وركب ليلا في ثقاته وترك بقيّة مماليكه مع طلبه، وقصد عقبة أيلة وقدم منها إلى السلطان وقال له: إن أردت مسكي [٣٠٣ ب] فها أنا جئت إليك برقبتي! .

فطيّب خاطره ولم يظهر له سوى البشر. وفي الباطن فإنّه قد ثقل على السلطان وأراد الفتك به ففاته غرضه منه، وخلع عليه. وأخذ بشتاك في تفرقة هداياه، وكانت شيئا يجلّ عن الوصف، بلغت قيمة ما كان فيها من اللؤلؤ والعطر الرقيق اثني عشر ألف دينار.

ثمّ بعثه السلطان إلى دمشق للقبض على تنكز نائب الشام. فقدمها في المحرّم سنة أربعين بعد أن

كان قد قبض عليه، وقدّم في خدمته عشرة أمراء، منهم أرقطاي، وبرسبغا، وطاجار الدوادار. فنزل بالقصر من الميدان وحلّف الأمراء الشاميّين للسلطان وذرّيته، واستخرج أموال تنتكز، ووسّط جنغاي وطغاي (٣) مملوكي تكنز، وخرج بعد خمسة عشر يوما عائدا إلى مصر، وقد تعلّق خاطره بنيابة الشام، فلم يجسر على مفاتحة السلطان فيها.

وفرغت في هذه السنة عمارته للقصر المعروف به بخطّ بين القصرين.

ثم سار في سنة إحدى وأربعين ليتصيّد ببلاد الشام، فكتب إلى نوّاب الشام بتعبئة الإقامات له والخروج لتلقّيه، فغاب أيّاما وعاد.

فاتّفق مرض السلطان وأرجف به، فتنافس بشتاك وقوصون، وكادت الفتنة تقع بينهما. وبلغ ذلك السلطان فشقّ عليه واستدعاهما ليصلح بينهما، فلم يتمالك نفسه وغشي عليه، فأقاما على شرّ. فبادر المشايخ من الأمراء إلى الاجتماع بالسلطان وما زالوا به حتّى عهد لابنه أبي بكر وأصلح بين بشتاك وقوصون وأسند إليهما وصيّته، وجعلهما مدبّري أمر ولده وحلّفهما ألّا يغدر أحدهما بالآخر ولا يخونه. فلمّا مات السلطان لم يوافق بشتاك على سلطنة أبي بكر واختار إقامة أخيه أحمد. فقام قوصون إلى الشبّاك وطلبه وقال له:

أنا ما يجيء منّي ولا منك سلاطين لأنّا كنّا كذا وكذا، وهذا أستاذنا أوصى لمن هو أخبر به من أولاده [٢٤٩ أ]، وهذا في ذمّته وما يسعنا إلّا امتثال أمره حيّا وميتا. وأنا ما أخالفك إن أردت أحمد أو غيره.


(١) لم نعرف الزيالعة، والزيلعيّ نسبة إلى برّ من شرق إفريقيا، والزلع الشقوق في القدمين، والزلع استخراج الماء من البئر (تاج العروس)، فلعلّ الزيالعة هم فقراء أفارقة قصدوا الحجّ على أقدامهم فتشقّقت، أو هم العاملون على آبار مكّة. وعند دوزي: الزلّاع هو الشحّاذ والمهرّج.
(٢) الأمير شطّي بن عبيّة (ت ٧٤٨)، بدر الدين أمير عرب البلقاء: أعيان العصر ٢/ ٥١٨ (٧٦٩).
(٣) طغاي أو طغية أمير آخور تنكز وسط سنة ٧٤١ (الدرر ٢/ ٢٢٠ وقع ٢٠٣٣)، وكلك جنغاي أو جنغية (الدرر ١/ ٥٨٩ رقم ١٤٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>