للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إن حدث بكلثوم حدث، أن يكون ابن أخيه بلج مكانه. فوصل جند الشام إلى إفريقيّة في رمضان سنة ثلاث وعشرين ومائة] (١) وسار بلج على مقدّمة كلثوم بن عياض إلى إفريقيّة، فعامل أهل القيروان بالجفاء والتكبّر عليهم.

وسار مع كلثوم إلى قتال خالد بن حميد الزناتيّ رئيس البربر من الخوارج الصفريّة، فقاتلوهم، وقتل كلثوم [بن عياض عمّه]، وحبيب بن أبي عبيدة بن عقبة بن نافع الفهريّ. وانهزم بلج، وثعلبة [بن سلامة العامليّ] الجذاميّ، وبقيّة [من] أهل الشام، إلى الأندلس، وفيهم عبد الرحمن [بن حبيب] بن أبي عبيدة. فاتّبعهم [أبو] يوسف الهواريّ- وكان طاغية من طواغي البربر- فأدركهم فقاتلهم فقتل أبو يوسف وانهزم أصحابه، ومضى بلج وثعلبة إلى الأندلس.

وكان كلثوم قد كتب إلى أهل الأندلس- وعليها عبد الملك بن قطن الفهريّ- يأمرهم بإمداده والخروج إليه، فوافاهم بلج [وقد وقعوا إلى مجاز الخضراء، وتقدّم عبد الرحمن بن حبيب أمام بلج إلى الأندلس ... ثمّ قدم بلج] (٢)، فأقام بالجزيرة، وكتب إلى عبد الملك بن قطن يعلمه أنّه خليفة كلثوم بن عياض، وشهد [بذلك] له ثعلبة الجذاميّ وأصحابه. وكان الرسول بينهما قاضي الأندلس. فسلّم عبد الملك بن قطن بولاية بلج، على كره من عبد الرحمن بن حبيب، فخرج عبد الرحمن من قرطبة كارها لولاية بلج.

ثمّ إنّ بلجا لمّا قدم قرطبة حبس عبد الملك بن قطن في السجن. وثار عبد الرحمن بن حبيب ومعه أميّة بن عبد الملك بن قطن، فجمعا لقتال بلج. فأخرج بلج عبد الملك بن قطن من السجن

وقال له: قم في المسجد فأخبر الناس أنّ كلثوما كتب إليك أنّي خليفته. فقام وقال: أيّها الناس، إنّي والي كلثوم، وإنّي محبوس بغير حقّ! - فضرب بلج عنقه. ثمّ قدّم عبد الرحمن بن حبيب الجموع فخرج إليه بلج ومن معه من أهل الشام وكان بينهم نهر، فلمّا كان الليل عبر عبد الرحمن إلى قرطبة، وخليفة بلج بها القاضي [وقد كان القاضي اتّهم بدم عبد الملك بن قطن] (٣)، فأخذه وسمل عينيه وقطع يديه ورجليه وضرب عنقه وصلبه علىشجرة وجعل على جثّته رأس خنزير، وبلج لا يشعر. ثم خرج من قرطبة فقاتله بلج فانهزم عبد الرحمن. ثم جمع جمعا آخر فقتل بلج ومن معه- ويقال: إنّ بلج لم يقتل، إنّما مات موتا بعد قتله ابن قطن بشهر في سنة خمس وعشرين ومائة.

وقد قيل في خبر بلج أنّه لمّا فعلت البربر بإفريقيّة ما فعلت في سنة تسع عشرة ومائة حصروا بلجا حتى ضاق عليه وعلى من معه الأمر واشتدّ الحصر وهم صابرون، فبعث بلج إلى عبد الملك بن قطن أن يرسل إليه مراكب يجوز فيها بمن معه إلى الأندلس، وعرّفه ما هم فيه من الشدّة، وقد أكلوا دوابّهم، فلم يجبه إلى عبور الأندلس ووعده بإرسال الميرة ولم يفعل. فاتّفق أنّ البربر قويت بالأندلس فاضطرّ إلى إدخال بلج ومن معه. فجمع أصحابه واستشارهم في ذلك، فخوّفوه من بلج، فقال: إنّي أخاف أمير المؤمنين أن يقول: أهلكت جندي- فأجازهم وشرط عليهم أن لا يقيموا غير سنة ويرجعوا إلى إفريقيّة.

فأجابوه وأخذ رهائنهم وجازوا إليه. فلمّا رأى سوء حالهم وفقرهم وعريهم كساهم وخوّلهم، وخرج بهم إلى شذونة، فقاتل جمعا من البربر وظفر


(١) سقوط طويل بالأصل، والتعويض من المصادر الأخرى.
(٢) زيادة من ابن عبد الحكم ٢٩٦.
(٣) زيادة من ابن عد الحكم ٢٩٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>