للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إنّه من عباد الله المخلصين المنتخبين لما كان منه [م] ما شاهدناه. والآن فمن حقّ السياسة أن تقول له عنّي: قد أنكرنا ما كان منك إلى بحنس بن مسيس كاتبنا فيما اخترناه له، وقد صفحنا لك عمّا كان منك، فلا تعد بعد هذا إلى معارضة سلطانك في فعله!

فعرّف الغلام بنان ما قال الأمير. فقال بنان: قل له: يا هذا- ولم يقل: أيّها الأمير- لا تعد أنت إلى ما عملت، فإنّك إن عدت عدنا، وكان الله سبحانه عوننا، ويده تعالى فوق يدك.

فقال له جماعة ممّن حضره: أيّها الأمير [قد] شاهدنا من حاله مع السّبع ما فيه كفاية، ويلزمنا التقرّب من قلبه ومسألته الدعاء لنا.

فقال: قد علمت ما علمتم، وإنّما راسلته بما توجبه السياسة. (وقال): ارجع إليه واقرأ عليه السلام وقل له: اعمل يا شيخ ما شئت، وانه عمّا أحببت وأمر بما تشاء، فما يعارضك أحد فيما تختاره وتأمر به من أمر بمعروف أو نهي عن منكر، وأنا معاونك على ذلك ومعاضدك عليه رغبة في ثواب الله عزّ وجلّ، وسله الدعاء لنا في وقتنا هذا ولا تخلنا في أوقات خلواتك بين يدي الله جلّ ثناؤه من هديّة الدعاء لنا. [وقال للغلام]: واصرفه في حفظ الله مكرّما وسله إن تكن له حاجة كائنة ما كانت قضيناها.

وانصرف بنان لمّا بلّغه الغلام ذلك من غير أن يذكر حاجة. فلمّا خرج قيل له: ما الذي كان في قلبك حيث شمّك السبع؟

فقال: كنت أتفكّر في اختلاف العلماء في سؤر السّباع.

ولمّا طلب الرجّالة أيّام هلال بن بدر أمير مصر أبا زنبور الحسن بن أحمد عامل الخراج، فرّ منهم ودخل على بنان. فأمره أن يدخل الكنيف. فاقتحم الرجّالة على بنان داره يسألونه عن أبي زنبور، فقال لهم بنان: أبو زنبور في الكنيف- فظنّوه يهزأ بهم فتركوه وانصرف [وا] عنه. فقام إلى أبي زنبور وقال: يا حسن صدقناهم، وقد يسّر الله فأحدث تربة في هذا الموضع الخسيس.

فقال أبو زنبور: الله الله يا أبا الحسن، دعني من صبرك، إنّي أقتل!

فقال: لا بأس عليك.

وأقام عنده إلى أن تفرّق القوم وهدأ الطلب عنه، فانصرف [ ... ].

ولمّا احتضر قيل له: من يصلّي عليك يا أبا الحسن؟

فقال: من اختار [هـ] الله- ثمّ أغمي عليه فصرخت أمّ أولاده وقالت: واخراب بيتي بعدك!

ففتح عينيه وقال لها: بعده.

فكانت آخر كلامه وقضى. فغسّل وكفّن في ملبس صوف عملته له امرأته الريفيّة-[وقد] أوصى بذلك- وأخرجت جنازته لصلاة الصبح يوم الاثنين لليلتين خلتا من شهر رمضان سنة ستّ عشرة وثلاثمائة. [٢٦٣ ب] وحضر الأمير تكين.

فلولا نزوله من دابّته [ل] أنّه يريد [أن] يتبع الجنازة، لما مشى بالنعش من كثرة الخلق. وما فتح بمصر حانوت في ذلك اليوم. فلمّا بلغ المصلّى أقبل الشريف أبو إبراهيم إسماعيل بن أبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن القاسم الرسّيّ من الحيّ. فقيل لتكين: هذا أبو إبراهيم- فقدّمه وصلّى عليه.

فحدّث أبو إبراهيم أنّه لمّا كان بالحيّ- وهو قرية بين اتفيح ومصر- أخذه ما قرب وما بعد من القلق بأمر الدار والدخول. فقال لغلمانه:

<<  <  ج: ص:  >  >>