للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فقال: إذا رضيناه نحن، فمن يخالفنا؟ وهو وزير السيف وأمّا صعود المنبر، فيستنيب عنه قاضي القضاة. وأمّا ذكره في الكتب الحكميّة فلا حاجة إلى ذلك، ويفعل ما كان يفعل قبل أمير الجيوش.

فكثر الإنكار من الناس لوزارة بهرام، إلّا أنّه لم يدخل في شيء مشكل، وساس الأمور بعقل جيّد وتدبير حسن، وأنفق في الجند جملة من الأموال فاستقامت أحواله وراسله الملوك وزالت الفتن من البلاد في أيّامه، فلم ينكر عليه شيء سوى أنّه نصرانيّ. وكان يقعد في يوم الجمعة عن الصلاة ويعدل إلى مكان بمفرده إلى أن تنقضي الصلاة [٢٩٦ ب]. وسأل الخليفة أن يسمح له في إحضار أهله فأذن له في ذلك فأحضرهم من تلّ باشر ومن بلاد الأرمن حتى صار منهم بمصر قدر الثلاثين ألف إنسان. فاستطالوا على المسلمين، وكثر جورهم وبنوا عدّة كنائس وأديرة، حتى كان كلّ رئيس منهم يبني له كنيسة. فخاف أهل مصر منهم أن يغيّروا الملّة الإسلاميّة، وكثرت الشكايات فيه وفي أخيه الباساك وكان قد ولّاه قوص، فعظم ذلك على الأمراء.

وتفاقم أمر النصارى، ووصل إليه ابن أخيه المعروف بالسبع الأحمر، فأطلق الأسرى من الفرنج. وشنعت القالة وكاتب أهل الدولة الأمير رضوان بن الولخشيّ والي الغربيّة، فحشد لقتال بهرام، وخرج من سخا في ثلاثين ألفا حتى نزل دجوة، وبهرام لا ينزعج. فلمّا قرب من القاهرة جمع بهرام الأرمن وقال لهم: قد علمتم بأنّا غرباء ولم نزل نخدم هذه الدولة [٢٦٦ ب]، والآن فقد كثر بغضهم لأيّامنا وما كنت بالذي أكون عند قوم وأخدمهم من حال الصّبا، فلمّا بلغت الكبر أقاتلهم؟ والله لا ضربت في وجوههم بسيف أبدا! سيروا بنا!

ثمّ اجتمع بالخليفة وفاوضه في أمره. فقال له:

يغلبني عليك الإسلام.

فأيس حينئذ وسار بالأرمن. وقيل: بل ركب في عساكر مصر، وخرج ومعه الأرمن، يريد محاربة رضوان. فلمّا التقى الجمعان خامر عليه الأمراء ولحقوا برضوان، فانهزم بالأرمن. وأخذ ما خفّ من المال وخرج من باب البرقيّة في حادي عشر جمادى الأولى سنة إحدى وثلاثين، وسار يريد قوص، وبها أخوه الباساك. وأوسق مراكب كثيرة وسيّرها في النيل بما يحتاج إليه. فعند ما خرج من القاهرة تكاثرت الغوغاء على دار الوزارة ونهبوها وهتكوا حرمتها، وخرجوا إلى دور الأرمن بالحسينيّة خارج باب الفتوح فنهبوها كلّها، ونهبوا كنيسة الزهري، ونبشوا قبر البطريك أخي بهرام ومثّلوا برمّته.

وطار خبر هزيمة بهرام في سائر إقليم مصر حتى وصل الخبر إلى قوص قبل وصوله إليها.

فثار المسلمون بالباساك وقتلوه. فقدم بهرام بعد قتله بيومين إلى قوص، ومعه من الأرمن نحو الألفين، فرأى أخاه الباساك على مزبلة وقد ربط معه كلب (١). فحنق ووضع السيف في أهل قوص فقتل منهم خلقا كثيرا، ونهب البلد وخرج إلى أسوان، ونزل بالأديرة البيض- وهي أماكن حصينة عدّتها ثلاث [ة] ديارات في غربيّ مدينة إخميم.

وتقدّم إليه (٢) بأن يسرّح من معه من الأرمن إلى بلادهم، ومن رضي منهم أن يقيم بمصر فلّاحا فليفعل. فأقام بأهله وولده، وخرج جماعة ممّن


(١) في الاتّعاظ ٣/ ١٦١: الكلب ميّت.
(٢) الكلام فيه نقص، ولعلّ الضمير يعود إلى إبراهيم بن ولخشي الذي لا حق الأرمن إلى الصعيد، وسيأتي ذكره بعد قليل.

<<  <  ج: ص:  >  >>