للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الأمر صحيحا فقسّ قلب السلطان علينا، وإن كان كذبا فحنّن خاطره علينا! .

فأعاد قجليس قوله على السلطان، فقال: عد وفكّ قيده فإنّه ما يكذب.

ففكّ القيد وأتاه به، فأنعم عليه بإمرته على عادته. ولم يعرف عن السلطان أنّه قبض على أمير وأفرج عنه، غيره.

وما زال على مكانته حتى مات السلطان، وكانت تلك الاختلافات من بعده. [ف] أراد الناصر أحمد أن يقبض عليه فاحترس على نفسه وانقطع عن الخدمة وأظهر أنّه مريض. فأخرج لنيابة صفد. ثمّ كتب لآق سنقر الناصريّ نائب غزّة بالقبض عليه بصفد، فإلى أن يجمع أقسنقر عسكر غزّة ويسير بهم بلغ خبره الأحمديّ. فسار من صفد [٣١٨ ب] وقد لبس للحرب هو ومماليكه.

فقاتله عسكر صفد فقتل منهم خمسة ومضى إلى دمشق فقدمها، وبها الأمير ركن الدين بيبرس الحاجب، والأمير طرنطاي الحاجب، في عدّة من خشداشيّته، فتلقّوه وأكرموه.

فلم يكن غير يومين حتى قدم كتاب الناصر أحمد من الكرك، وقد سار إليها من قلعة الجبل وأقام بها، يأمر فيه بالقبض على الأحمديّ، فأجابوا بالسمع والطاعة، ودسّوا للأحمديّ بأن يركب للحرب، ثم ركبوا حتى واجهوه وكاسروا عن قتاله وأعادوا القاصد بجواب غير طائل.

وكتبوا إلى أمراء مصر، وإلى آي دغمش نائب حلب، وإلى الحاج آل ملك نائب حماة، حتى انتقضت دولة أحمد وتسلطن الصالح إسماعيل بن محمد، فكتب إليه بنيابة طرابلس فتوجّه من دمشق إليها فأقام بها نحوا من شهرين.

ثمّ طلب إلى مصر، وولي طرابلس عوضه الأمير أروم بغا (١)، فلمّا قدم الأحمديّ إلى قلعة الجبل، أنعم عليه بإمرة. وجهّز [هـ] لحصار الناصر أحمد في الكرك، فبالغ في ذلك فلم ينل منه غرضا، وعاد إلى القاهرة.

فأقام بها حتى مات في [ ... ] سنة ستّ وأربعين وسبعمائة، وقد قارب الثمانين سنة.

وكان فيه برّ وكرم نفس وإيثار للفقراء، مع الشجاعة، وحسن الشكالة، وقوّة النفس، وشدّة البأس، والديانة والصيانة. وله عناية باقتناء الخيول المسوّمة والمماليك الحشمة، ولم يركب قطّ حجرة، وإنّما يركب الفحولة. وكان يحبّ الشجعان، ولا يزال يأخذ مماليكه بالمواظبة على اللعب بالرمح والرمي بالنشّاب، ويعنى بآلات الحرب، حتى إنّه بعد خروجه من صفد وهو لابس ومماليكه فضل عنه ثمانون قرقلا (٢) وثمانون بركصطوان (٣) ومائة خوذة ونحو خمسين ألف فردة نشّاب، وغير ذلك من السروج والآلات.

وكان أحد من يسار إليه بعد الملك الناصر محمد في التولية والعزل. وهو الذي قوّى عزم الأمير قوصون على إقام [ة] أبي بكر ابن الناصر في السلطنة وخالف رأي الأمير بشتاك، ثمّ لمّا أخذ أبو بكر في اللعب قال في القصر: إيش هذا اللعب؟ - فانفلّ ندماء السلطان المنصور أبي بكر.


(١) في المنهل: أرنبغا وكذلك في السلوك ٢/ ٦٣٧.
(٢) القرقل: نوع من الدروع تتّخذ من صفائح الحديد المغشّاة بالديباج؛ السلوك ١/ ٧٤٦.
(٣) البركصطون وهو ما يسمّى أيضا التجفاف: كساء مركزس يلبس للخيل إمّا للوقاية وإمّا للزينة؛ السلوك ١/ ١٧٧ (هامش) ودوزي.

<<  <  ج: ص:  >  >>