كما سنرى في مخطوط ليدن مثلا. وإلى هذه السرعة نفسها- أو هذا التربّص لعودة إلى الجذاذات- نعزو خلوّ الكتاب من التعليق الشخصيّ والخواطر الذاتيّة التي يتدخّل بها كبار المؤرّخين كابن الأثير وابن خلدون وأبي المحاسن في سردهم للأحداث أو تصويرهم للأشخاص، إلّا ما ندر: فالمقريزيّ في رأينا كان ينتظر أن تكتمل مادّة الكتاب فيراجعه مراجعة نهائيّة فينظر آنذاك إلى الحوادث والأبطال من عل، فيعلّق ويبدي رأيه أو على الأقلّ يختم بعبارة حكميّة عامّة تحبّذ أو تستنكر كما يفعل أستاذه ابن خلدون.
وقد اجتهدنا في سدّ الثغرات من التراجم، وتوضيح المبهم والغامض، وذلك في الحدود التي فرضها علينا غياب المصادر المنقول عنها، وانحصار المادّة في نسخة وحيدة لا ثانية لها حتى تسهل المقابلة والمقارنة، وورود هذه النسخة اليتيمة في شكل مسوّدة أو شبه مسوّدة لأنّ الناسخ لا يحسن الفهم إن هو أحسن الخطّ. فلذا نعتذر سلفا عن إكثارنا من التنبيه إلى عبارة لم نفهمها، أو اسم لم نتبيّنه، أو شاهد لم نخرّجه، فدأبنا كما قلنا في الجزءين السابقين، أن نجتهد ولا نسكت، ونفترض ولا نخفي الصعوبة أو الإشكال.
على أنّنا وجدنا عند بعض زملائنا من الباحثين مساعدة نفيسة، فوجب علينا الاعتراف بجميلهم، نخصّ بالذكر منهم الأستاذ أبا القاسم محمد كرّو- في مساعدتنا على تحقيق تراجم أعلام قفصة، علاوة على إمدادنا بمصوّرة مخطوط باريس التي ستكوّن مادّة الجزء الرابع- والزميلة منيرة شابوطو الرمادي التي ساعدتنا على ضبط بعض تراجم المماليك- والأستاذ جليل العطيّة الذي أرسل إلينا من باريس مصوّرته من المخطوط التركيّ، وكذلك الأستاذ عبد الفتاح محمد الحلو والأديب علي الذوّادي، والزميل الدكتور الطيّب العشّاش الذي تفضّل بمراجعة بعض التراجم وتخريج أبياتها. فإليهم جميعا جزيل شكرنا، والله لا يضيع أجر المحسنين.
تونس في ٦ شعبان ١٤٠٩، وفي ١٣ مارس ١٩٨٩ محمد اليعلاوي ثمّ في ١٠ نوفمبر ٢٠٠٢