للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

العزيز جعفر بن محمد هذا أن يمضي من مصر إلى صقلّيّة وعقد له بولايتها. وقد كان في رتبة أبيه من الوزارة والحال الجليلة. فخاف منه الوزيريعقوب بن كلّس وأراد إبعاده، فحسّن للعزيز ولايته صقليّة وعرّفه أنّ الثغر يتلف ما لم يله (١)، فتمّت حيلته وولّاه العزيز.

فخرج من القاهرة في البرّ، ومعه خيل يسيرة فوصل إلى مدينة المنصوريّة يوم الأربعاء لخمس خلون من صفر سنة ثلاث وسبعين [وثلاثمائة]، وبين يديه عشرون فرسا بالسروج المحلّاة الثقيلة، وخمسة بنود مذهبة وخمس عماريّات، ومعه سبكتكين التركيّ (٢)، فلقيه عبد الله بن محمد الكاتب (٣) وأنزله. فنادى مناديه في الناس بإعطاء الأرزاق السنيّة، فأتاه جماعة من الناس فلم يحتمل ذلك عبد الله ونادى: «من مضى إلى جعفر بن

[محمّد] بن الحسن، فقد حلّ دمه». وأخذ قوما سائرين نحوه فضرب أعناقهم. فرحل عند ذلك للنصف منه يريد المهدّية، ورحل معه عبد الله فأتته ثاني يوم وصوله خمسة مراكب حربيّة من صقلّيّة بهدايا جليلة وعدّة عظيمة بعث بها إليه ابن عمّه جابر بن أبي القاسم، فركب فيها يوم الجمعة لليلتين بقيتا من صفر [سنة ٣٧٣]، وسار إلى صقلّيّة فتسلّمها من جابر بغير مدافعة واستقامت له أمورها.

وكتب إليه العزيز في سنة خمس وسبعين يأمره أن يدفع إلى الراهب الذي هو أبو جاريته [٣٨٨ أ] السيّدة العزيزيّة (٤)، القلاع التي افتتحها جدّه الحسن بن علي بن أبي الحسين، وأن يدفع إليه كلّ شيء عنده من قديم وحديث. فقدم الراهب إلى صقلّيّة فأنزله جعفر ووكّل به ومنع أن يدخل عليه أحد، حتى إنّه كان إذا عبر الحمّام صحبه عدّة من المسلمين حتى يدخل ويخرج فيردّو [ن] هـ إلى موضعه. فأقام على هذا نحو أربعة أشهر. ثمّ جمع له كلّ شيخ وعجوز وعليل من النصارى ودفعهم إليه، وهم نحو مائة نفس وأمره بالرحيل، [فأفلت وما صدّق بنجاته] (٥) فمضى إلى القسطنطينيّة، وكتب إلى العزيز بما كان فيه مع جعفر. وأمر جعفر بعد مسير الراهب فاشترى مركبا أندلسيّا وشحنه بطرائف الأندلس، وأظهر أنّ ابن أبي عامر بعثه إليه، وكتب إلى العزيز بأنّ صاحب الأندلس قد كتب إليه يدعوه إلى طاعته ويعده أن يقطعه من الأندلس كلّ ما يسأله. فكتب إليه العزيز بأنّ سلفه


(١) ولي يلي الثغر: يصير (جعفر) واليا على صقلّية.
(٢) سبكتكين التركي: قال في أعمال الأعلام ٥٢/ ٤٧٨: من جلّة الترك الموصوفين بالشجاعة.
(٣) عبد الله بن محمد الكاتب: أمير إفريقيّة للصنهاجيّين.
انظر عنه رسالة هـ. ر. إدريس ١/ ٤٨ و ١/ ٦٨. ولم يذكر في العبادلة من المقفّى، إلّا أنّ ناسخ السليميّة- أو غيره- عرّف به في الحاشية من ترجمة تميم بن المعزّ الفاطميّ رقم ١٠٢٧ وقال إنّ المنصور الصّنهاجي قتله في رجب ٣٧٧.
وتأتي هنا حاشية في الهامش تعرّف بعبد الله بن محمد الكاتب وتكرّر فحوى الحاشية التي مرّت في ترجمة تميم بن المعزّ الفاطميّ هـ ٢، وهما بنفس الخطّ، وكأنّهما من إضافات المقريزيّ الاحتياطيّة. يقول هذه المرّة: عبد الله بن محمد بن أبي العبّاس ابن الأغلب، ولّاه الأمير أبو الفتوح يوسف بن زيري تدبير العسكر بعد موت جعفر بن يموت في رمضان سنة ثلاث وستّين وثلاثمائة، فثارت بينه وبين زيادة الله ابن القديم الناظر فتنة آلت إلى غلبة عبد الله فعظم أمره إلى أن قتله الأمير منصور بن يوسف بن زيري في حادي عشر رجب سنة سبع وسبعين وثلاثمائة.
(٤) السيّدة العزيزيّة: قال ابن ميسّر ٤٩ - ٥٠: هي أمّ ولد العزيز، وهي أخت كاتب العزيز، توفّيت سنة ٣٨٥ في خلافة العزيز- ويظهر أنّها أمّ الحاكم وأخته ستّ الملك.
وفي أعمال الأعلام ٥٢/ ٤٧٨: الراهب أخو جاريته.
(٥) في المخطوط: فما أفلت وهو يأمن. والإصلاح من أعمال الأعلام.

<<  <  ج: ص:  >  >>