للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

دفع ذلك كلّه إليك في وقت واحد. ولكن أخاف أن يصير لي معه حديث. فاسمح لي بأخذه متفرّقا.

فقلت: يا سيّدي، لأفعل.

فقال: اجلس للناس وخذ رقاعهم في الحوائج الكبار، واستجعل (١) عليها ولا تمتنع من مسألتي شيئا تخاطب فيه، صحيحا كان أو محالا، إلى أن يحصل لك مال النذر.

ففعلت ذلك وكنت أعرض عليه كل يوم رقاعا.

وربّما قال لي: كم ضمن لك على هذا؟ فأقول:

كذا وكذا. فيقول: غبنت، هذا يساوي كذا وكذا.

فأراجع القوم فلا أزال أماكسهم ويزيدونني حتى أبلغ الحدّ الذي رسمه. فحصل عندي عشرون ألف دينار وأكثر منها في مديدة.

فقال لي بعد شهور: يا أبا إسحاق، حصل مال النذر؟

قلت: لا.

فسكت. وكنت أعرض عليه فيسألني في كلّ شهر: هل حصل المال؟ فأقول: لا، خوفا من انقطاع الكسب، إلى أن حصل عندي ضعف ذلك المال. وسألني يوما فاستحييت من الكذب المتّصل، فقلت: حصل ببركة الوزير.

فقال: فرّجت والله عنّي، فقد كنت مشغول القلب إلى أن يحصل ذلك.

ثمّ أخذ الدواة فوقّع إلى خازنه بثلاثة آلاف دينار صلة، فأخذتها وامتنعت أن أعرض عليه شيئا.

فلمّا كان من غد جئته وجلست على رسمي. فأومأ إليّ أن هات ما معك- يستدعي منّي الرقاع على الرسم. فقلت: ما أخذت من أحد رقعة، لأنّ النذر قد وقع الوفاء به. ولم أدر كيف أقع من الوزير.

فقال: يا سبحان الله! أتراني كنت أقطع عنك شيئا قد صار لك عادة، وعلم به الناس، وصارت لك به منزلة عندهم وجاه، وغدوّ على بابك ورواح، ولا يعلم سبب انقطاعه، فيظنّ ذلك لضعف جاهك عندي وتغيّر رتبتك. اعرض على رسمك وخذ بلا حساب.

فقبّلت يده وباكرت من غد بالرقاع، فكنت أعرضها عليه كلّ يوم إلى أن مات رحمه الله.

وكان الزجاج نديما للمكتفي. وروى أبو عليّ الفارسيّ قال: دخلت مع شيخنا أبي إسحاق الزجّاج على القاسم بن عبيد الله الوزير. فورد عليه خادم وسارّه بشيء استبشر به، ثمّ تقدّم إلى أبي إسحاق بالمنادمة حتّى يعود، ثمّ نهض. فلم يكن بأسرع من أن عاد وفي وجهه أثر الوجوم. فسأله شيخنا عن ذلك فقال: كانت تختلف إلينا جارية لإحدى القينات، فسمتها أن تبيعني إيّاها فامتنعت من ذلك. ثمّ أشار عليها أحد من صحبنا بأن تهديها إليّ، رجاء أن أضاعف لها ثمنها. فلمّا وردت، أعلمني الخادم بذلك فنهضت مستبشرا لافتضاضها، فوجدتها قد حاضت فكان منّي ما ترى.

فأخذ شيخنا الدواة من بين يديه وكتب [الرمل]:

فارس ماض بحربته ... حاذق بالطعن في الظلم

رام أن يرمي فريسته ... فاتّقته من دم بدم

وقد روي هذا الشعر للخليفة عبد الله بن محمد، المأمون، لمّا زفّت عليه بوران وخلا بها (٢).


(١) أي: خذ الجعل: أي الهدية.
(٢) الخبر في الفهرست ٦٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>