للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كان مقامه بالقرب من آمد، فخطبه الملك الأشرف خليل بن قلاوون ورغّبه في القدوم إلى مصر، فلم يوافق على القدوم حتى يرى منشور الإقطاع، فكتب له منشور بإقطاع جيّد ووجّهه إليه فلم يتهيّأ له ذلك.

وكان تحت إيالة المغل ملوك بغداد، ويلي عنهم [٣٠٥ أ] رأس عين من قبل غازان. فلمّا مات غازان في سنة ثلاث وسبعمائة أحبّ القدوم إلى مصر، وكتب يستأذن في ذلك، فأجيب بالإذن والشكر، ووعد بكلّ خير. وكتب إلى الأمراء نوّاب الشام بتلقّيه وإكرامه وتعظيم قدره. فركب بمن معه من الزامه وأقاربه وأمواله، ونزل على الفرات، فتلقّاه نوّاب بهسنا وكختا وكركر (١) وغيرها، وقاموا بخدمته حتّى قرب من حلب، فتلقّاه نائبها، وقام بواجبه، وجهّزه إلى دمشق، فتلقّاه أيضا نائبها، وسيّره إلى مصر. فخرج إليه الأمير بيبرس الجاشنكير وسائر الأمراء، ولقوه بقبّة النصر خارج القاهرة في ثالث ذي الحجّة منها، وصعدوا به إلى قلعة الجبل. فقبّل الأرض بين يدي السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون، فاستدناه وسأله عن أحواله، وأنزله بالقلعة، وأنعم عليه بإمرة مائة تقدمة ألف على إقطاع الأمير بهاء الدين قراقوش الظاهريّ بحكم انتقاله إلى إمرة بصفد. وأعطا [هـ] زيادة مائة ألف درهم. وأنعم على أمير عليّ- من الزامه- بإمرة عشرة، وعلى نوروز ابن أخيه بإمرة مائة. وأهدى الأمراء إليه هدايا سنيّة. واستمرّ من أكبر أمراء مصر.

وقدمت عليه أخته في سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة، فماتت بدمشق قبل رؤيته.

وكان السلطان يعظّم قدره ويكرمه ويبعث إليه الذهب مع الأمير بكتمر الساقي ومع غيره، ويرسل إليه بأن: لا تبوس الأرض على هذا المبلغ ولا تنزله في ديوانك- يريد بذلك إخفاء ما يرسله إليه.

وكان يجلس [أوّلا في الميمنة] ثاني نائب الكرك، فلمّا خرج [نائب الكرك] إلى طرابلس جلس جنكلي رأس الميمنة، حتّى مات يوم الاثنين ثامن عشرين شهر ربيع الآخر سنة ستّ وأربعين وسبعمائة.

وكان من الحشمة والعقل والسكون، والدين الوافر، وعفّة الفرج، في غاية.

وكان يعرف من الفقه ربع العبادات، واختلاف الأئمّة [٤٠١ ب] في ذلك. وكان ركنا من أركان الإسلام في نفع أهل العلم والدين بماله وجاهه.

وأنفق في حركة الناصر أحمد في توجّهه إليه بالكرك وإحضاره إيّاه منها حتّى تسلطن، وما قدّمه له في سلطنته، وما تكلّفه في توجّهه لمحاربته بالكرك، مبلغ ألف ألف وأربعمائة ألف درهم فضّة، عنها نحو سبعين ألف دينار.

وكان له ولدان، أحدهما ناصر الدين محمد، وقد مرّ ذكره في المحمّدين (٢). والآخر شهاب الدين أحمد.


(١) بهسنا: قال ياقوت: قلعة بقرب مرعش وسميساط، هي اليوم من أعمال حلب. وكختا لم يذكرها ياقوت؛ وفي السلوك ١/ ٧١٤ هامش ٤: قلعة في شرقي ملطية.
وحصن كركر يقع بين ملطية وآمد (السلوك ١/ ٧١٤ هامش ١)، وكذلك قال ياقوت.
(٢) هذه عبارة الصفديّ، ومعروف أنّ الوافي يبدأ بتراجم المحمّدين، وليس الأمر كذلك في المقفّى الذي حصل بين أيدينا. فالمقريزي نقل عن الصفدي دون أن يتنبّه إلى مسألة الترتيب، ولم يتّبع الصفدي في الأعيان ترتيبه في الوافي، فقال بخصوص ناصر الدين ابن جنكلي: وسيأتي ذكر الأمير محمّد (الميم بعد الجيم)، أو لعلّه كان في نيّته أن يبدأ بالمحمّدين هو أيضا؟ ولكن سبق له أن قال في رأس مخطوط السليميّة: ونفتتح بإبراهيم الخليل تبرّكا به. ومحمّد بن جنكلي تأتي ترجمته في المقفّى برقم ٢٠٠٤، وقد توفّي قبل أبيه سنة ٧٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>