للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

في قلّة فيها ماء. وكتب إلى المعزّ كتابا جعل في طيّه من ضريع البحر المحيط وبعث بذلك إليه، يشير أنّه انتهى إلى البحر المحيط.

ثمّ عاد إلى فاس (١) بعد أن ملك تلك البلاد كلّها، فنزل عليها وقاتل أهلها مدّة قتالا طويلا حتّى يئس منها. ثمّ جدّ فيها إلى أن ملكها ونهب عسكره مافيها، وسبوا ذراريّها. وأخذ أحمد بن بكير (٢) وقيّده وجعله مع محمد بن الفتح أمير سجلماسة، وذلك لعشر بقين من رمضان [٣٤٨].

وعمل قفصين من خشب سجن فيهما المذكورين. وقفل إلى إفريقيّة بعد ما فتح الفتوح وأراح البلدان إلى البحر المحيط. ولم يتعرّض لسبته، وكانت بيد بني أميّة.

فلمّا قدم تاهرت ولّى عليها زيري بن مناد وضمّها إلى يده فقوي أمره. وتركه بها، وسار إلى المسيلة فترك عليها عاملها جعفر بن عليّ الأندلسيّ، وردّ كلّ قوم إلى مواضعهم.

ووصل إلى المنصوريّة ومعه أحمد بن بكير أمير فاس، ومحمد بن الفتح الشاكر لله أمير سجلماسة، ويدو بن يعلى بن محمد الزناتي أمير تاهرت، وكثير من الأسرى في يوم الجمعة لاثنتي عشرة بقيت من شوّال.

ثمّ أخرجه المعزّ في سنة سبع وخمسين [وثلاثمائة] لإصلاح المغرب في عسكر عظيم، وليحشد كتامة الذين ينهض بهم إلى المشرق، ويجبي من البربر خمسمائة ألف دينار، فدوّخ المغرب.

وقدم يوم الأحد لثلاث بقين من المحرّم سنة

ثمان وخمسين [وثلاثمائة] بعساكر عظيمة من كتامة والجند والبربر، فأقام خارج المنصوريّة ليجتمع إليه الحشود والعساكر. وفتح المعزّ بيت المال، وأعطى الأموال من ألف دينار إلى عشرين دينارا. ثمّ رحل في يوم السبت لأربع عشرة مضت من ربيع الأوّل [٣٥٨] بالعساكر، ومعه زيادة على مائة ألف فارس، وبين يديه أكثر من ألف ومائتي صندوق فيها المال. فنزل برقّادة وخرج إلي [هـ] المعزّ وخلا به، وأطلق يده ليتصرّف في بيوت أمواله كيف شاء، ويأخذ منها، زيادة على ما معه، ما أحبّ واختار. [٣٥٩ أ] فقال المعزّ، وجوهر قائم بين يديه، والعساكر مجتمعة: والله [لو] خرج جوهر هذا وحده بسوطه لفتح مصر، وليدخلنّ مصر بالأردية من غير حرب، ولينزلنّ في خرابات ابن طولون، ويبني مدينة تسمّى القاهرة تقهر الدنيا!

وأمر المعزّ أولاده وإخوته وسائر الأولياء وعبيد الدولة أن يمشوا بين يدي جوهر وهو راكب.

وكتب إلى جميع من يمرّ عليه جوهر من العمّال يأمرهم، إذا قدم عليهم، أن يترجّلوا إليه عند لقائه ويمشوا في خدمته.

ثم تقدّم إلى جوهر بالمسير، فرفع من مناخه، والمعزّ واقف، ثمّ أكبّ على جوهر وقد ركب فرسه فسارّه طويلا. ثمّ التفت إلى الأمراء أولاده وإخوته فقال: «ودّعوه»! فنزلوا عن خيولهم، ونزل بنزولهم كافّة الناس فودّعوه على قدر مراتبهم واحدا بعد واحد. فلمّا فرغوا من وداعه أقبل جوهر فقبّل يد المعزّ وحافر فرسه. فقال له المعزّ:

«اركب! » فركب وسار، والمعزّ يسايره طويلا، ثمّ وقف وقال له: «سر! » فسار، ثم التفت والمعزّ قائم، فأومأ إليه بكمّه أن امض! فحرّك جوهر يريد عسكره حتى لحق بهم، ثمّ نزل منزله. وعاد المعزّ


(١) في العام الموالي، أي سنة ٣٤٨.
(٢) عند ابن عذارى ١/ ٢١٤، وابن خلدون ٤/ ٤٧:
أحمد بن بكر [بن سهل الجذاميّ].

<<  <  ج: ص:  >  >>