على أموالهم، وإذ قد أوقع بهم مرّة بعد أخرى، فسفكت دماؤهم وابتزّت أموالهم، مع اعتماد ما هي عادته من إصلاح الطرقات، وقطع عيث العائثين فيها، ليتطرّق الناس آمنين، ويمشوا مطمئنّين، ويتحفوا بالأطعمة والأقوات، إذ كان قد انتهى إليه، صلوات الله عليه، انقطاع طرقاتها، لخوف مارّتها، إذ لا زاجر للمعتدين، ولا دافع للظالمين، ثمّ تجويد السكّة وضربها على العيار الذي [٣٠٨ أ][عليه] السكّة الميمونة المنصورة المباركة، وقطع الغشّ منها، إذ كانت هذه الثلاث خصال [م] ما لا يسع من ينظر في أمور المسلمين إلّا إصلاحها واستفراغ الوسع فيما يلزمه منها.
وما (١) أوعز به مولانا وسيّدنا أمير المؤمنين، صلوات الله عليه، إلى عبده من نشر العدل، وبسط الحقّ، وحسم الظلم، وقطع العدوان، ونفي الأذى، ورفع المؤن، والمناوأة في الحقّ، وإعانة المظلوم، والتقريب والإشفاق، والإحسان وجميل النظر، وكريم الصحبة ولطف العشرة، وافتقاد الأحوال، وحياطة أهل البلد في ليلهم ونهارهم، وحين تصرّفهم في أوان ابتغائهم معايشهم، حتى لا تجري أمورهم إلّا على ما لمّ شعثهم، وأقام أودهم، وأصلح بالهم، وجمع قلوبهم، وألّف كلمتهم على طاعة وليّه مولانا وسيّدنا أمير المؤمنين صلوات الله عليه.
وما أمر (١) به مولانا من إسقاط الرسوم الجائرة التي لا يرتضي، صلوات الله عليه، بإثباتها عليكم، وأن أجريكم في المواريث على كتاب الله وسنّة نبيّه صلّى الله عليه وسلم، وأضع ما كان يؤخذ من تركات موتاكم لبيت المال من غير وصيّة، من المتوفّى، بها، فإنّه لا استحقاق لتصييرها ببيت المال، وأن
أتقدّم في رمّ مساجدكم وتزيينها بالفرش والإيقاد وأعطي مؤذّنيها وقومتها ومن يؤمّ الناس فيها أرزاقهم، وأدرّها عليهم، فلا أقطعها عنهم، ولا أدفعها إلّا من بيت المال، لا بإحالة على من تقبض منهم.
وأمّا غير ما ذكره مولانا وسيّدنا أمير المؤمنين، صلوات الله عليه، ممّا نصّه من ترسّل عنكم، أيّدهم [٣٦١ أ] الله، [من] أنّكم ذكرتم وجوها التمستم ذكرها في كتاب أمانكم، فذكرتها إجابة لكم، وتطمينا لأنفسكم، وإن لم يكن لذكرها معنى، ولا في نشرها فائدة، إذ كان الإسلام سنّة واحدة، وشريعة متّبعة، وهي:
إقامتكم على مذاهبكم، وأن تتركوا على ما أنتم عليه من أداء الفروض في الاشتغال بالعلم، والاجتماع عليه في جوامعكم ومساجدكم، وثباتكم على ما كان عليه سلف الأمّة من الصحابة، رضي الله عنهم، والتابعين بعدهم، وفقهاء الأمصار الذين جرت الأحكام بمذاهبهم وفتواهم، وأن يجري فرض الأذان والصلاة، وقيام شهر رمضان، وفطره، والزكاة، والحجّ، والجهاد، على ما أمر الله به ونصّه بنبيّه صلّى الله عليه وسلم في سنّته، وإجراء أهل الذمّة على ما كانوا عليه.
ولكم عليّ أمان الله التامّ العامّ، الدائم الشامل، المتّصل الكامل، المتجدّد المتأكّد، على الأيّام، وكرور الأعوام، في أنفسكم وأموالكم وأهليكم، ونعمكم وضياعكم ورباعكم، وقليلكم وكثيركم، وعلى أنّه لا يعترض عليكم معترض، ولا يتجنّى عليكم متجنّ، ولا يتعقّب عليكم متعقّب، وعلى أنّكم تصانون وتحفظون وتحرسون، ويذبّ عنكم ويمنع منكم، فلا يتعرّض إلى أذاكم ولا يسارع أحد في الاعتداء عليكم ولا في الاستطالة على قويّكم فضلا عن ضعيفكم، وعلى أن لا أزال
(١) معطوف على: فعرّفتهم ما تقدّم به أمر مولانا ...