للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

نلتزمه، ولا ندخل تحته. اذهب إلى غيرنا!

فرحل (١) الجوهر وعبد الله، والجوهر الجدّالي يجرّ زمام الجمل بعبد الله بن ياسين، فنظر إليه شيخ كبير السنّ من لمتونة، فقال: أرأيتم هذا الجمل؟ لا بدّ أن يكون له في هذه الصحراء شأن يذكر في العالم.

وانتهوا إلى جدالة قبيلة الجوهر، فتكلّم عبد الله بن ياسين فيهم وفيمن اتّصل بهم من القبائل. فمنهم من سمع وأطاع، ومنهم من أعرض وعصى. ثمّ إنّ المخالفين لهم تحيّزوا وتحزّبوا. فقال عبد الله بن ياسين للّذين [٣٦٨ ب] أقبلوا عليه وقبلوا سنّة الإسلام: قد وجب عليكم أن تقاتلوا هؤلاء المخالفين للحقّ، الذين أنكروا دين الإسلام واستعدّوا لقتالكم. فألّفوا لكم حزبا وأقيموا لكم راية، وقدّموا عليكم أميرا.

فقال الجوهر: أنت الأمير.

قال عبد الله: لا يمكنني هذا، إنّما أنا حامل أمانة الشرع وأقصّ عليكم نصوصه، وأبيّن لكم طريقه، وأعرّفكم سلوكه، ولكن كن أنت الأمير!

فقال الجوهر: لو فعلت هذا لتسلّط قبيلي على الناس وعاثوا في الصحراء، ويكون وزر ذلك عليّ.

فقال عبد الله بن ياسين: فهذا أبو بكر بن عمر رأس لمتونة وكبيرها يفعل ذلك.

فأجاب، فعقدوا له راية وبايعوه بيعة الإسلام، وتبعته زمرة من قومه وسمّاه عبد الله بن ياسين أمير المسلمين، وعادوا إلى جدالة وجمعوا إليهم من أمكن من الطوائف الذين حسن إسلامهم وسمّاهم عبد الله «المرابطين».

وتألّبت عليهم أحزاب من الصحراء معاندون، فحصروهم وهم ما ينيف على ألفي رجل من أهل الشرّ والفساد (٢). وتركوهم أيّاما بغير طعام. ثمّ أخرجوهم شيئا بعد شيء وقتلوهم عن آخرهم، ومن ذلك الوقت دانت لهم أكثر القبائل واستقام خلق كثير.

ولمّا ولي الأمر أبو بكر بن عمر استبدّ به دون الجوهر، فداخل الجوهر الحسد وشرع في فساد الأمر سرّا. فعلم ذلك، وعقد له مجلسا، فثبت عليه ماذكر عنه، فحكم فيه بأنّه يجب عليه القتل، لأنّه نكث البيعة وشقّ العصا وهمّ بمحاربة أهل الحقّ. فقال الجوهر: «وأنا أيضا أحبّ لقاء الله حتى أرى ما عنده»، فاغتسل وصلّى ركعتين وتقدّم فضربت عنقه.

ثمّ كثرت طائفة المرابطين، وساروا لقتال الفرنج فقتل عبد الله بن ياسين (٣)، وذلك في عشر الستّين وأربعمائة. ثمّ جمع أبو بكر بن عمر قبائل السوس حتّى أخذ مدينة سجلماسة، وولّى عليها يوسف بن تاشفين اللمتونيّ، من بني عمّه، وعهد إليه من بعده. فلمّا مات أبو بكر، خلفه يوسف بن تاشفين، ودعي بأمير المسلمين. فافتتح بلاد المغرب شرقا وغربا بأيسر سعي، وبنى مدينة مرّاكش. ثمّ أخذ المعتمد بن عبّاد ملك الأندلس.

ثمّ مات (٤) فقام من بعده ابنه عليّ بن يوسف، ثمّ إسحاق بن عليّ بن يوسف. وقتل إسحاق سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة، وانقضت دولة الملثّمين التي أقامها الجوهر الجدالي بقيام دولة


(١) في المخطوط: فنزل.
(٢) المقريزي يلازم هنا رواية النويريّ (ت ٧٣٣) ٢٤/ ٢٥٧.
(٣) في الكامل ٩/ ٦٢١: أرادوا العبور إلى الأندلس ليجاهدوا الكفّار، فخرجوا إلى السوس. والمقريزي يلازم ابن الأثير في دائرة المعارف: قتل سنة ٤٥٠ في قتال برغواطة.
(٤) قتل تاشفين سنة ٥٣٩. انظر الزركليّ ١/ ٢٨٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>