للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فلاح (١). ثمّ عزل سلمان بن جعفر بعد تسعة أشهر بجيش بن الصمصامة. فسار من القاهرة في تاسع ذي القعدة سنة سبع وثمانين [وثلاثمائة]، ونزل على دمشق، بعد ما أقام بالرملة مدّة، في يوم الجمعة لأربع خلون من رجب سنة ثمان وثمانين، وقدم إليه بشارة متولّي (٢) طبريّة، وسار بالعساكر إلى [أ] فامية (٣) يوم الاثنين رابع عشره وقد نازلها الروم، فقاتلهم قتالا كبيرا قتل فيه من الروم نحو خمسة آلاف، وانهزم باقيهم في يوم الثلاثاء لتسع بقين من رجب. ومضى جيش إلى نحو مرعش يحرق ويهدم ونزل على أنطاكية وبها الروم، وقاتلهم أيّاما، ثمّ سار إلى شيزر، وعاد إلى دمشق فنزل المزّة (٤) يوم الثلاثاء، لتسع بقين من ذي القعدة [سنة ٣٨٨]. ونزل بشارة القصر الذي بدمشق على أنّه ولي دمشق، فورد الكتاب من مصر باستقرار جيش على إمارة دمشق. وكانت دمشق قد خربت وقلّ ناسها وضعفوا، وثار قوم من الجهّال وصاروا يأخذون الخفارة من الناس، فكثرت أموالهم وركبوا الخيل، ومشت الرجّالة بين أيديهم وزاد عجبهم، وأظهروا أنّهم تحت طاعة السلطان وفي خدمته. فأمّنهم جيش ووعدهم بالأرزاق حتى اطمأنّوا إليه، فقبض عليهم وقيّدهم وحبسهم وشدّد العقوبة عليهم حتى استصفى أموالهم، وتتبّع من استتر منهم، وضرب أعناقهم، وصلبهم على أبواب المدينة حتى خلا البلد منهم.

ثمّ طمع في بقيّة الناس من أهل المدينة والقرى وجبى [من] هم الأموال إلى [أن] شمل ضرره الكافّة فكثر الدعاء عليه، وهو يطرح الأموال على القرى وعلى أهل المدينة ويعدهم ببذل السيف فيهم. وبينا هو في ذلك؛ إذ ورد الخبر بمسير الروم إليه في طلب ثأرهم ب [أ] فامية، فجمع العربان وغيرهم وأنزلهم من حرستا إلى القابون (٥)، ونزل الروم على شيزر وقاتلوا أهلها وملكوها، ثم أخذوا مدينة حمص وسبوا وحرّقوا، وذلك في ذي الحجّة سنة تسع وثمانين [وثلاثمائة]- وهي دخلة الروم الثالثة [إلى] حمص- ثمّ ساروا إلى طرابلس ونازلوها مدّة ثمّ أفرجوا عنها، وتوجّهوا إلى الثغور الجزريّة. فاشتدّ بأس (٦) جيش عند رحيلهم وزاد [٤٠٦ ب] ضرره لأهل دمشق.

وكان به طرف جذام فتزايد به حتى تمغّط شعره ورشح بدنه واسودّ. ثم امّحت سحنة وجهه وداد كلّه ونتن جميع جسده فصار يصيح: «ويحكم! اقتلوني! أريحوني! » إلى أن هلك يوم الأحد لسبع خلون من ربيع الآخر سنة تسعين وثلاثمائة. وكان مقامه على دمشق ستّة عشر شهرا وستّة عشر يوما (٧).

ووصل ابنه أبو عبد الله بتركته في جمادى الآخرة، ودفع درجا إلى ريدان الصقلبيّ حامل المظلّة، بخطّ أبيه جيش يتضمّن وصيّته، وتعيين ما خلّفه مفصّلا مشروحا، وفيه أنّ ذلك جميعه لأمير المؤمنين الحاكم بأمر الله، لا يستحقّ أحد


(١) هذا الابن هو لجعفر بن فلاح يكنّى أبا تميم، انظر الكامل في حوادث ٣٨٦، والتحفة ٢/ ٥.
(٢) في الكامل: انهزم أصحاب جيش ما عدا بشارة الإخشيديّ، وذكر ابن عساكر ٣/ ٢٢٥، أنّه ولي دمشق سنة ٣٨٨ ثمّ عاد إلى طبريّة سنة ٣٩٠.
(٣) أفامية: Apamee من كور حمص (ياقوت).
(٤) المزّة: قرية في بساتين دمشق (ياقوت).
(٥) حرستا والقابون: من قرى دمشق.
(٦) هنا حاشية بدون إمضاء: ليت شعري، هلّا اشتدّ بأسه على الروم وترك المسلمين في قوّتهم عونا له عليهم؟
(٧) في النجوم الزاهرة ٤/ ٢٠٤ أنّه مات في سنة ٣٩١، ورواية المقريزيّ هنا توافق ما كتبه في الاتّعاظ ٢/ ٣٣، وهنا تعليق آخر: قد خسر الدنيا والآخرة وعجل عذابه في الدنيا والآخرة، دمّره الله، وقد فعل!

<<  <  ج: ص:  >  >>