للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بعد موته، وكان حمل مع من حمل من مصر في محنة القرآن، حمله المأمون، فأقام في السجن ببغداد إلى أن ولي المتوكّل، فأطلق جميع من كان في السجن، فخرج ورجع إلى مصر، وكتب إليه المتوكّل بعهده على القضاء.

وقال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم: قال لي أحمد بن أبي دؤاد: يا أبا عبد الله، لقد قام حارثكم لله عزّ وجلّ مقام الأنبياء- وكان ابن أبي دؤاد إذاذكره أحسن ذكره وأعظمه جدّا، وكان يكتب إلى ابن أبي الليث بالوصاة به.

وقال أبو عمر الكندي: وكان مفتيا فقيها، حدّثني عاصم بن رازح قال: حدّثني بحر بن نصر [الخولانيّ] (١)، قال: عرفت الحارث أيّام ابن وهب على طريق وزهادة وورع وصدق لهجة حتّى مات.

وقال أبو زكريّا [يحيى بن معين] (٢):

الحارث بن مسكين خير من أصبغ [بن الفرج] (٣) وأفضل، وأفضل من عبد الله بن صالح كاتب الليث، وكان أصبغ أعلم خلق الله كلّهم برأي مالك، يعرفها مسألة مسألة ومتى قالها [مالك] ومن خالفه فيها.

وقال عبد الله بن عيسى بن عبد الله المرادي في كتابه «المسالك في تعريف أتباع الإمام مالك»: تقدّم الحارث على الأفراد، وساد على الأجواد، امتحن فصبر، واختبر فجاد وغفر، روى عنه كافّة المصريّين، وكان فقيها كبيرا، وله في المذهب مصنّفات منها كتاب كبير نحو ٤٨١ ب] من ثماني مجلّدات،

وله «اختلاف الرواية عن أصحاب مالك» يكون في مجلّدين. وتفقّه بالمصريّين وأصحاب مالك.

وقال الخطيب: كان ثبتا في الحديث، فقيها على مذهب مالك، حمله المأمون إلى بغداد أيّام المحنة وسجنه، لأنّه لم يجب إلى القول بخلق القرآن. فلم يزل محبوسا إلى أن ولي المتوكّل فأطلقه. فحدّث ببغداد ورجع إلى مصر.

وقال أبو عمر الكندي عن سعيد بن كثير بن عفير: لمّا قدم أمير المؤمنين المأمون مصر، تلقّاه الناس بالفرما يرفعون على عمّال مصر، فلم يلتفت إليهم. ودسّ العمّال قوما يثنون عليهم عند المأمون، منهم أبو صالح الحرّانيّ، وابن أبي رملة، فبعث المأمون بالفضل بن مروان وأحمد بن أبي دؤاد إلى المسجد، فأوقفا إبراهيم بن تميم وأحمد بن محمد بن أسباط، وأرسلا إلى الحارث بن مسكين فسألوه عنهما، فذكر عنهما شرّ ثناء ممّا قد ظهر وانتشر، فانتهره الفضل بن مروان، فانصرف الحارث إلى منزله. وشخص المأمون إلى الغرب ثمّ إلى سخا، وشخص بالحارث إليه، فدخل عليه بسخا فسأله فأخبره بسوء السماع فيهما، فقال للحارث: لا تؤوي [ك] البلاد، وأخرج.

وذكر في رواية أخرى عن أبي يزيد يوسف بن يزيد، قال: قدم المأمون مصر، وكان بها رجل يقال له الحضرميّ يتظلّم من ابن أسباط وابن تميم، فجلس الفضل بن مروان في المسجد الجامع، وحضر مجلسه يحيى بن أكثم وابن أبي دؤاد، وحضر إسحاق بن إسماعيل بن حمّاد بن زياد- وكان على مظالم مصر- وحضر جماعة من فقهاء مصر وأصحاب الحديث، وأحضر الحارث بن [٣١٥ أ] مسكين ليولّى قضاء مصر، فدعاه الفضل بن مروان، فبينا هو يكلّمه إذ قال


(١) بحر بن نصر مرّت ترجمته رقم ٩٠٩.
(٢) الحافظ أبو زكريّا المرّي (ت ٢٣٣): أعلام النبلاء ١١/ ٧١ (٢٨).
(٣) أصبغ بن الفرج مفتي مصر (ت ٢٢٥) مرّت ترجمته برقم ٧٩٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>