للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الحضرميّ للفضل: سل، أصلحك الله، الحارث عن ابن أسباط وابن تميم!

فقال: ليس لهذا أحضرناه.

فقال: أصلحك الله، سله!

فقال الفضل للحارث: ما تقول في هذين الرجلين؟

قال: ظالمان غاشمان.

قال: ليس لهذا أحضرناك.

فاضطرب المسجد، وكان الناس متوافرين، فقام الفضل وسار إلى المأمون بالخبر، وقال:

خفت على نفسي من ثوران الناس مع الحارث.

فأرسل المأمون إلى الحارث، فدعاه فابتدأه بالمسألة، فقال:

ما تقول في هذين الرجلين؟

قال: ظالمان غاشمان.

قال: هل ظلماك بشيء؟

قال: لا.

قال: فعاملتهما؟

قال: لا.

قال: فكيف شهدت عليهما؟

قال: كما شهدت أنّك أمير المؤمنين ولم أرك قطّ إلّا الساعة، وكما شهدت أنّك غزوت، ولم أحضر غزوتك.

قال: اخرج من هذه البلدة، فليست لك [٤٨٢ أ] ببلاد، وبع قليلك وكثيرك فإنّك لا تعاينها أبدا (١).

وحبسه في رأس الجبل في قبّة [ابن] هرثمة (٢)

في خيمة، ثمّ انحدر المأمون آلى البشرود وأحدره معه، فلمّا فتح البشرود أحضر الحارث، فلمّا دخل عليه سأله عن المسألة التي سأله عنها بمصر، فردّ عليه الجواب بعينه.

قال: فأيّ شيء تقول في خروجنا هذا؟

قال: أخبرني عبد الرحمن بن القاسم عن مالك أنّ الرشيد كتب إليه في أهل دهلك (٣) يسأله عن قتالهم، فقال: إن كانوا خرجوا عن ظلم من السلطان فلا يحلّ قتالهم. وإن كانوا إنّما شقّوا العصا فقتالهم حلال.

فقال: أنت تيس، ومالك [أتيس] (٤) منك.

ارحل عن مصر!

قال: يا أمير المؤمنين، إلى الثغور.

قال: الحق بمدينة السلام.

فقال له أبو صالح الحرّاني: يا أمير المؤمنين تغفر زلّته.

فقال: يا شيخ، شفعت إن نفع (٥) - وجعل المأمون يقول للحارث: يا ساعي! - يردّدها، فقال له: يا أمير المؤمنين، ما أنا بساع ... وإن أذن لي أمير المؤمنين تكلّمت.

قال: تكلّم!

فقال: والله يا أمير المؤمنين ما أنا بساع، ولكنّي أحضرت فسمعت وأطعت حين دعيت. ثمّ سئلت عن أمر فاستعفيت فلم أعف، ثلاثا، فلمّا رأيت أنّه لا بدّ لي من الكلام كان الحقّ آثر عندي من غيره.

فقال المأمون: هذا رجل أراد أن يرفع له علم


(١) في ك. الولاة: فإنّك لا تبقى فيها أبدا.
(٢) في الخطط ٢/ ٢٠٢: ابتناها حاتم بن هرثمة، وتعرف بقبّة الهواء.
(٣) دهلك مجموعة جزر في البحر الأحمر كان بنو أميّة يسجنون بها الخصوم: الطبري ٦/ ٥٥٧ و ٧/ ٥٠٩ وياقوت ودائرة المعارف الإسلاميّة.
(٤) زيادة من الخطط ٢/ ٢٠٢.
(٥) في الخطط: تشفّعت فارتفع.

<<  <  ج: ص:  >  >>