للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ببلده، خذه إليك! - يشير إلى أبي صالح الحرّاني.

وخرج المأمون راحلا عن مصر لثماني عشرة خلت من صفر سنة تسع عشرة ومائتين، وأخرج بالحارث، فخرج معه ابنه إبراهيم، وكان إبراهيمرفيق أبي خالد اليماميّ في المحمل. فلمّا كانوا في مفرق الطريق إلى طرسوس وإلى العراق، أمر المأمون بالحارث أن يذهب به إلى العراق، وبأبي خالد إلى الثغر.

وحجّت امرأة الحارث، فسارت من مكّة إلى العراق، فأقام الحارث بالعراق ستّ عشرة سنة حتّى مات المأمون والمعتصم، وولي الواثق.

فذكره لابن أبي دؤاد، فقال ابن أبي دؤاد: يا أمير المؤمنين، هو حاضر.

فقال: ما ظننت أنّه حيّ؟

فأرسل إلى الحارث وهو بمدينة السلام نازل على الحسن بن عبد العزيز الجرويّ، فقال: سل حاجتك.

فقال: حاجتي أن لا تحملني إلى سرّ من رأى.

فقال ابن أبي دؤاد للواثق: هو شيخ ضعيف، وخفت أن أحمله فيموت.

قال: فاكتب إليه يتوجّه حيث شاء.

فقدم [٤٨٢ ب] مصر سنة اثنتين وثلاثين ومائتين، واغتمّ عليه أهل بغداد أسفا على فقده، خصوصا، أبو عليّ الحسن بن عبد العزيز الجرويّ، فكتب إلى سعدان بن زيد وهو بمصر يشكو إليه ما نزل به لفقد الحارث، وفي آخر كتابه هذه الأبيات [البسيط]:

من كان يسليه [نأي] عن أخي ثقة ... فإنّني غير سال آخر الأبد (١)

وكيف ينساك من قد كنت راحته ... وموضع المشتكى في الدين والولد؟

كنت الخليل الذي نرجو النجاة به ... وكنت منّي مكان الروح في الجسد

ففرّقت بيننا الأقدار واضطرمت ... بالوجد نار الحزن والكمد [٣١٥ ب]

فأجابه سعدان [الرمل]:

أيّها الشاكي إلينا وحشة ... من حبيب بان عنّا فبعد (٢)

حسبك الله أنيسا فبه ... يأنس المرء إذا المرء سعد

كلّ أنس بسواه زائل ... وأنيس الله في عزّ الأبد

ولقد متّعك الله به ... بضع عشر من سنين قد تعدّ

٥ لو تراه وأبا زيد معا ... وهما للدين حصن وعضد (٣)

يدرسون العلم في مسجدهم ... وإذا جنّهم الليل هجد

وإذا ما وردت معضلة ... أسند القوم إليهم ما ورد

نوّر الله به مسجدهم ... فهو للمسجد نور يتّقد

فلمّا قام المتوكّل في الخلافة ولّى قضاء مصر جعفر بن عبد الواحد الهاشميّ. فكتب إلى الحارث ابن مسكين فقلّده قضاء مصر، وكان قد ذكر عند المتوكّل فأثنى عليه، وذكر عنده لقضاء مصر عيسى بن أبي لهيعة، فقيل له: الله الله، يا أمير المؤمنين! في المسلمين عيسى مشتهر بالشطرنج.


(١) زيادة من تاريخ بغداد ٨/ ٢١٧.
(٢) في المخطوط: نأى، والتصويب من ك. الولاة ٥٠٣.
(٣) حاشية في الهامش: يعني أبا زيد عبد الرحمن بن أبي أنعم عمر، يروي عن مفضّل بن فضالة. مات سنة ٢٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>