للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فقال: من ترون توليته؟

قيل له: رجل يعرفه أمير المؤمنين، وهو الحارث بن مسكين.

قال: اكتبوا بولايته!

فورد على الحارث كتاب تقليده القضاء وهو يومئذ بالإسكندريّة، فلمّا قرأه امتنع من الولاية.

فجبره إخوانه على قبوله وقالوا: نحن نقوم بين يديك.

فقدم الفسطاط وجلس للحكم في مجلس القضاء من المسجد الجامع في يوم الاثنين لعشر خلون من جمادى الأولى سنة سبع وثلاثين ومائتين. واستكتب محمّد بن سلمة المراديّ، وولّى على [٤٨٣ أ] أموال السبيل والغيّب، فحمله أصحابه على أن كشف على القاضي أبي بكر محمد بن أبي الليث فأمر به، وكان يوقف كلّ يوم بين يديه ويضرب عشرين سوطا ليخرج ما وجب عليه من الأموال التي كانت تحت يده، فأقام على ذلك أيّاما حتى كلّم الحارث في ذلك، وقيل له:

لا يحبّ للقاضي أن يتولّى مثل ذلك، وإنّه لقبيح بالقاضي فعله، فخلّى عنه وترك مطالبته.

ودعي الحارث إلى لباس السواد، وهو يومئذ شعار الدولة العبّاسيّة، فامتنع من لبسه لأنّه كان أمويّا (١)، فخوّفه أصحابه سطوة السلطان له، وقالوا له: يقال إنّك من موالي بني أميّة.

فأجابهم إلى لباس كساء أسود من صوف، وقيل: بل استمرّ على الامتناع، فكتب الأمير إلى المتوكّل بذلك. فورد كتابه: إن لم يلبس فاخلع وركيه! فأمر به الوالي أن يحضر برسول بعث به إليه، فلقيه محمد بن سعيد، والرسل تزعجه وقد وله. فدنا منه وقال له: يا شيخ، لا يهولنّك ما

ترى، فإنّ إبراهيم عليه السلام أسلمه أهل الأرض فلم يضرّه ذلك لمّا كان الله له.

فاعتنقه وقال: أحييتني يا أخي بهذا الكلام، فأحياك الله سعيدا.

وأقرأه الوالي كتاب المتوكّل، فامتنع من لباس السواد. فقال شيخ من ناحية المسجد: إنّ الشيخ رأيته يلبس هذه الثياب الفرجيّة (٢) التي تعمل باليمن.

فقال الحارث: بل إنّي ربّما ألبسها.

فقال له الوالي: فالبسها!

قال: أمّا تلك، فنعم.

فقنع منه بذلك وكتب به إلى المتوكّل، وخلّى عنه.

قال ابن قديد: وكان الحارث مقعدا من رجليه، فكان يحمل في محفّة في المسجد الجامع، وكان يركب حمارا، متربّعا.

وأمر الحارث في ولايته بإخراج أصحاب أبي حنيفة وأصحاب الشافعيّ من المسجد، وأمر بنزع حصرهم من العمد. وأنزل عامّة المؤذّنين وأخرجهم من الأذان. ومنع قريشا والأنصار أن يدفع إليهم من طعمة رمضان شيء. وحوّل سلّم المؤذّنين إلى غربيّ [٣١٦ أ] المسجد. وبلّط زيادة عبد الله بن طاهر التي في المسجد، وأصلح سقوفه، وبنى سقاية في الحذّائين، وأمر ببنيان رحبة ملاصقة لدار الضرب ليتّسع الناس بها.

وحفر خليج الإسكندريّة، ونهى عن تقبيل المصايد، فأبيحت للناس. ومنع من النداء على الجنائز وضرب فيه. وضرب [٤٨٣ ب] القرّاء الذين يقرءون بالألحان. وكشف أمر المصاحف التي


(١) كان أمويّا بالولاء.
(٢) في المخطوط: العرحية، وفوقها: كذا.

<<  <  ج: ص:  >  >>