بالمسجد الجامع، وولّى عليها أمينا من قبله، وهو أوّل القضاة فعل ذلك.
وترك تلقّي الأمراء والسلام عليهم. ولا عن بين رجل وامرأته، ونفى وضرب الحدّ في سبّ أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها وتهدّد بالرجم.
وقتل نصرانيّا سبّ النبيّ صلّى الله عليه وسلم بعد أن جلده الحدّ.
وأمر بضرب عنق رجلين نصرانيّين شهد عنده أنّهما ساحران، فكانت بينه وبين يزيد بن عبد الله الأمير في ذلك منازعة. وهدم مسجدا بناه خراسانيّ بين القبور.
ولم يكن في ولايته خلل سوى في بيت مال القضاة، فإنّ أمره لم يجر على استقامة من أجل أنّه دفع مفتاحه إلى أخيه محمد بن مسكين ولإبراهيمبن أيّوب ليخرجا منه شيئا، فاتّهم إبراهيم أنّه سرق منه ثلاثين ألف دينار، ثمّ كتبت رقعة إلى الحارث بالطعن في ولاته، فاستبدل بكتّابه وأعوانه وغيّرهم.
وشهد عنده رجل، فقال له: ما اسمك؟
قال: جبريل.
فقال له: لقد ضاقت عليك أسماء بني آدم حتى سمّيت بأسماء الملائكة؟
فقال له الرجل: كما ضاقت عليك الأسماء حتّى سمّيت باسم الشيطان، فإنّ اسمه الحارث.
وفي رواية أنّ رجلا تقدّم إليه في خصومة، فناداه رجل باسمه وكان اسمه إسرافيل، فقال له الحارث: ما حملك على أن تسمّى بهذا الاسم، وقد قال صلّى الله عليه وسلم: لا تسمّوا بأسماء الملائكة؟
فقال له: فلم سمّي مالك بن أنس، وقد قال الله تعالى: وَنادَوْا يا مالِكُ [الزخرف: ٧٧]؟ ثمّ قال:
والله لقد تسمّى الناس بأسماء الشياطين، فما عيب ذلك- يعني الحارث، ويقال: هو اسم إبليس لعنه الله.
وحضر الحارث جنازة في جمع من وجوه مصر، وفيهم يونس بن عبد الأعلى، فأخذ يونس في كلام الزهّاد والحكاية عن الصالحين حتى بكى من حضر. فالتفت الحارث إلى يونس، وقال له برفق: أنت تحسن هذا كلّه، وأنت تصنع وتصنع؟
فقال له يونس: أنت قاض، وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: من جعل قاضيا فقد ذبح بغير سكّين.
وكان الحارث منحرفا على يونس، فاتّفق أنّه شهد عنده بشهادة وانصرف. فأسقط في يديه وعلم أنّ أصحاب مسائل الحارث، وهم أبو برد أحمد بن سليمان بن برد، وعمرو ويزيد ابنا يوسف بن عمرو سيجرحونه، فرجع إلى الحارث من وقته [٤٨٤ أ] وقال: أصلح الله القاضي، إنّي شهدت اليوم شهادة وفي قلبي منها شيء، لست أحقّها.
فأوقف الحارث الشهادة، وبلغ أصحاب مسائله ذلك، فقالوا: أفلت يونس من أيدينا.
ودخل إلى الحارث رجل فخاطبه بشيء، فقال له الحارث: من يشهد لك؟
قال: محمد بن عبد الله بن عبد الحكم.
فقال له الحارث: قل له إن كان رجلا فليأت وليشهد.
فقال رجل من أهل العراق: ما أعجب أمركم يا أهل مصر! يكون سليم الأسود الخادم معدّلا فيكم، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم مجروح؟
فسمعه سليم فقال: يا هذا، إنّي لم أخن