أمانتي، ولم أدّع ما ليس لي- وكان الحارث قبل سليما بغير شاهد شهد له، وقال: أنا به عارف.
وكانت عجوز لها موروث في دار فغصبته، وكان مالك بن سيف التجيبيّ ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم يشهدان لها، فشهد لها مالك عند الحارث، وأقامت المرأة تختلف إليه زمانا ليأذن لها في إحضار محمد بن [عبد الله بن] عبد الحكم، والحارث يمتنع من إحضاره، فلمّا تيقّن أنّها مظلومة ولم يتمّ لها الشهادة، بعث من قوّم ذلك الموروث من الدار، فقوّم بخمسين دينارا. فدفعها الحارث إلى المرأة [٣١٦ ب] حتّى لا يحضر ابن عبد الحكم.
وخوصم وكيل السيّدة في دار من دورها، فحكم الحارث على وكيلها بإخراج الدار من يده إلى خصمه. فرفع ذلك إلى العراق، فورد الكتاب على عنبسة بن إسحاق الأمير، فيه: وذكر الفضل بن مروان أنّ الحارث بن مسكين لم يزل معروفا بالانحراف عن السلطان والمباعدة لأسبابه في أيّام المأمون. وإنّ أمير المؤمنين أيّده الله أمر أن نكتب إليك ما رفع الفضل بن مروان من ذلك، وأن تعلم الحارث أنّ مقام وكلاء جهة (١) أمير المؤمنين في ضياعها ودورها ومستغلّاتها بمصر مقام من يحوطها ويجبي أموالها، وتأمر بردّ الدار التي كانت في أيديهم المعروفة بعليّ بن عبد الرحمن الموصليّ إلى أيديهم كما كانت قبل عرضه فيها، وترك النظر في شيء ممّا في يدي وكلاء أمير المؤمنين من الضّياع والدور وغلّات مصر، والاعتراض على أولئك الوكلاء، بما يوهن أمرهم أو يطمع في شيء ممّا في أيديهم من حقوق أمير المؤمنين. ويأمر بالتقدّم إلى الحارث في ترك
النظر في شيء من الضّياع [٤٨٤ ب] والتعرّض لما في أيدي الوكلاء منها، ومنعه من ذلك إن حاوله.
وكتب بما أمر به أمير المؤمنين في ذلك، وبمنع الحارث من تقدّمه وتجاوزه. واعمل بما أمر به أمير المؤمنين، وانته إليه، وقف عنده، وتوقّ مجاوزته والتقصير فيما أمرت به. وكتب أحمد بن الخصيب يوم الاثنين لخمس خلون من شهر ربيع الآخر سنة أربعين ومائتين.
ثمّ كثرت المرافعات في الحارث، فرفع عليه أنّ رجلا شهد عنده وقد حلق شعر رأسه، فقال له:
أشاميّ أنت أم عراقيّ؟
فقال له الشاهد: بل كوفيّ.
فقال الحارث: فأخبث وأشرّ.
ورفع عليه أنّه شهد عنده شاهد أنّ ابن أبي الليث أشهد عليه بكذا.
فقال له: تذكر ابن أبي الليث في مجلسي؟ لا تعد إليّ في شهادة!
ورفع عليه أنّه قال لسهل بن سلمة الأسوانيّ:
قد عدّلت عندي، ولست أقبل شهادتك لأنّك عملت لابن أبي الليث.
ورفع عليه أنّه قال لسليمان بن أبي نصر: لا أجيز وصيّة من أوصى إليك، وقد صحّ عندي أنّك كنت تأتي ابن أبي الليث- وأخرج الوصيّة من يده.
وكانت دار بخطّة أبي ثعلبة الخشنيّ من الفسطاط تعرف بدار الفيل من أجل أنّ متملّك الهند أهدى إلى الوليد بن رفاعة أمير مصر فيلا، فصيّره بها. وكان أبو عثيم مولى مسلمة بن مخلد الأنصاريّ حبّس هذه الدار على مواليه الذين بفسطاط، وهم: كعب بن سليمان، وناصح، ويسار، ورافع، وعليّ، وأولادهم وأولاد أولادهم
(١) الجهة هنا: زوجة الخليفة، وقد سمّيت السيّدة قبل قليل.