للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الرجال وأهلكت العيال.

ثمّ قالت: إنّي قد قلت في الأمير قولا.

قال: هاتي.

فأنشأت تقول [الطويل]:

أحجّاج، لا يفلل سلاحك، إنّما ال ... منايا بكفّ الله حيث يراها

أحجّاج، لا تعطي العداة مناهم ... ولا الله يعطي للعداة مناها

إذا هبط الحجّاج أرضا مريضة ... تتبّع أقصى دائها فشفاها

شفاها من الداء العقام الذي بها ... غلام إذا هزّ القناة سقاها (١)

فقال: لا تقولي: غلام قولي: همام!

(قالت: )

٥ سقاها فروّاها بشرب سجاله ... دماء رجال حيث مال حشاها

إذا سمع الحجّاج رزّ كتيبة ... أعدّ لها قبل النزول قراها (٢)

أعد لها مسمومة فارسية ... بأيدي رجال يحلبون صراها (٣)

فما ولد الأبكار والعون مثله ... ببحر ولا أرض يجفّ ثراها

فقال الحجّاج: قاتلها الله! والله ما أصاب صفتي شاعر منذ دخلت العراق غيرها.

ثمّ التفت إلى عنبسة [بن سعيد] فقال: والله إنّي لأعدّ للأمر عسى أن لا يكون أبدا.

والتفت إليها فقال: حسبك!

فقالت: قد قلت أكثر من هذا.

فقال: حسبك، ويحك، حسبك! (ثمّ قال: ) يا غلام، اذهب بها إلى فلان وقل له: اقطع لسانها.

فذهب بها فقال: يقول لك الأمير: اقطع لسانها.

فاستدعى الحجّام، فالتفتت إليه وقالت:

ثكلتك أمّك، أما سمعت ما قال؟ إنما أمرك أن تقطع لساني بالبرّ والصلة.

فبعث إلى الحجّاج يستثبته، فاستشاط غضبا وهمّ بقطع لسانه، فقال: «ارددها! » فلمّا دخلت عليه قالت: «كاد والله أيّها الأمير يقطع مقولي».

ثمّ أنشأت تقول [البسيط]:

حجّاج، أنت الذي ما فوقه أحد ... إلّا الخليفة والمستغفر الصمد

[٣٣٦ أ] حجّاج أنت شهاب الحرب إن ... لقحت وأنت للناس نور في الدجى يقد

فأقبل على جلسائه، فقال: أتدرون من هذه؟

قالوا: لا والله أيّها الأمير، إلّا أنّنا لم نر امرأة قطّ أفصح لسانا، ولا أحسن محاورة، ولا أملح وجها، ولا أرصن شعرا منها.

فقال: هذه ليلى الأخيليّة التي مات توبة بن الحميّر الخفاجي في حبّها.

ثمّ قال لها: أنشدينا يا ليلى بعض ما قال توبة فيك.

قالت: نعم، أيّها الأمير، هو الذي يقول [الطويل] (٤):

وهل تبكين ليلى إذا متّ قبلها ... وقام على قبري النساء الصوائح

كما لو أصاب الموت ليلى بكيتها ... وجاد لها دمع من العين سافح


- تدع لنا فصيلا ولا ربعا، والربع: فصل الربيع.
(١) الداء العقام: الذي لا يرجى منه برء.
(٢) الرزّ بالكسر: صوت الرعد.
(٣) الصرى: البقيّة من اللبن في الضّرع.
(٤) انظر ديوان توبة بن الحمير ص ص ٤٨ - ٥٠ تحقيق خليل إبراهيم العطيّة بغداد ١٩٦٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>