للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الحسن: ما هذا؟ لا تفعل، فقد احتملتك مرّتين، وهذه الثالثة. وأنا ابن تسعين سنة، فاتّق الله في المشايخ! فربّما استجيبت فيك دعوة.

فقال أبو بكر بن خزيمة: لا تؤذ الشيخ!

فقال أبو بكر: إنّما أردت أن يعلم الأستاذ أنّ أبا العبّاس يعرف حديثه.

(قال): وسمعت أبا الوليد [حسّان بن محمد] الفقيه يقول: كان الحسن بن سفيان أديبا فقيها، أخذ الأدب عن أصحاب النضر [بن شميل، أخبرنا أبو نصر] أحمد بن جعفر (١) الأسفراييني [قال:

حدّثنا] الفقيه أبو الحسن الصفّار قال: كنّا في مجلس الشيخ الإمام الزاهد الحسن بن سفيان النسويّ، وقد اجتمع لديه طائفة من أهل الفضل ارتحلوا إليه من أطباق الأرض والبلاد البعيدة مختلفين إلى مجلسه لاقتباس العلم وكتابة الحديث، فخرج يوما إلى مجلسه الذي كان يملي فيه الحديث، فقال: اسمعوا ما أقول لكم قبل أن نشرع في الإملاء. قد علمنا أنّكم طائفة من أبناء النّعم وأهل الفضل، هجرتم أوطانكم وفارقتم دياركم وأصحابكم في طلب العلم واستفادة الحديث، فلا يخطرنّ ببالكم أنّكم قضيتم بهذا التجشّم للعلم حقّا، أو أدّيتم بما تحمّلتم من الكلف والمشاقّ من فروضه فرضا. فإنّي أحدّثكم ببعض ما تحمّلته في طلب العلم من المشقّة والجهد، وما كشف الله سبحانه وتعالى عنّي وعن أصحابي ببركة العلم وصفوة العقيدة من الضّيق والضنك.

اعلموا أنّي كنت في عنفوان شبابي ارتحلت من وطني لطلب العلم واستملاء الحديث، فاتّفق حصولي بأرض المغرب وحلولي بمصر في تسعة

نفر من أصحابي طلبة العلم وسامعي الحديث.

وكنّا نختلف إلى شيخ كان أرفع أهل عصره في العلم منزلة، وأدراهم بالحديث، وأعلاهم إسنادا، وأوضحهم رواية، فكان يملي علينا كلّ يوم مقدارا يسيرا من الحديث حتى طالت المدّة وخفنا النفقة. ودفعت الضرورة إلى بيع ما صحبنا [٣٥١ ب] من ثوب وخرقة، إلى أن لم يبق لنا ما كنّا نرجو حصول قوت يوم منه، وطوينا ثلاثة أيّام بلياليها جوعا وسوء حال، ولم يذق واحد منّا شيئا، وأصبحنا بكرة اليوم الرابع بحيث لا حراك بأحد من جملتنا من الجوع وضعف الأطراف.

وأحوجت الضرورة إلى كشف قناع الحشمة وبذل الوجه للسؤال. فلم تسمح أنفسنا بذلك ولم تطب قلوبنا به، وأنف كلّ واحد منّا عن ذلك، والضرورة تحوج إلى السؤال على كلّ حال. فوقع اختيار الجماعة على كتابة رقاع بأسامي كلّ واحد منّا، وإرسالها قرعة، فمن ارتفع اسمه من الرقاع كان هو القائم بالسؤال واستماحة القوت له ولأصحابه. فارتفعت الرقعة التي اشتملت على اسمي، فتحيّرت ودهشت ولم تسامحني نفسي بالمسألة واحتمال المذلّة. فعدلت إلى زاوية من المسجد أصلّي ركعتين طويلتين قد اقترن الاعتقاد فيها بالإخلاص، أدعو الله سبحانه بأسمائه العظام وكلماته الرفيعة لكشف الضرّ وسياقة الفرج. فلم أفرغ بعد من إتمام الصلاة حتّى دخل المسجد شابّ حسن الوجه نظيف الثوب طيّب الرائحة، يتبعه خادم في يده منديل فقال: «من منكم الحسن بن سفيان؟ » فرفعت رأسي من السجدة وقلت: أنا الحسن بن سفيان، فما الحاجة؟

فقال: إنّ الأمير ابن طولون صاحبي يقرئكم السلام والتحيّة ويعتذر إليكم في الغفلة عن تفقّد أحوالكم والتقصير الواقع في رعاية حقوقكم، وقد


(١) الزيادات من أعلام النبلاء ١٤/ ١٥٩ - ١٦١، وفيها:
أحمد بن محمد الأسفرايينيّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>