للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والزهادة، وقال لأصحاب قلعة ألموت: نحن قوم ضعفاء زهّاد نريد عبادة الله عندكم، فبيعونا نصف هذه القلعة!

فباعوها منها بتسعة آلاف دينار وسكنوا فيها، فاستولى عليها، وبلغ خبره ملك تلك الناحية فقصده بعسكره ليحاربه، فقال عليّ اليعقوبيّ للحسن بن صبّاح ولمن معه: أيّ شيء يكون لي عندكم إن كفيتكم أمر هذا العسكر؟

فقال: نذكرك في تسابيحنا.

فقال: رضيت.

ونزل بهم، وقسمهم أرباعا في أرباع العسكر.

وجعل معهم طبولا وقال: إذا سمعتم الصائحة فاضربوا الطبول.

ثمّ هجم على صاحب العسكر في الليل وقتله، فوقع الصياح في العسكر، فضرب أولائك الطبول، فلم يثبت العسكر لما ملأ قلوبهم من الخوف وفرّوا بأجمعهم وتركوا خيامهم، فنقلها أصحاب ابن الصبّاح إلى قلعة ألموت. ومن ذلك الوقت سنّوا سنّ [ة] (١) السكّين، واغتالوا الملوك والرؤساء، وكثر قتلهم للناس.

فاستدعي الإمام أبو حامد الغزالي إلى نيسابور وأقام بالمدرسة النظاميّة فيها واشتغل بمناظرة أصحاب ابن الصبّاح وألّف كتاب «المستظهري»، وأجاب عن مسائلهم. وجدّ السلطان ملكشاه في قلعهم فلم يتمكّن من ذلك.

فلمّا مات المستنصر بالله في ذي الحجّة سنة سبع وثمانين وأربعمائة، ادّعى الحسن بن الصبّاح أنّه قال للمستنصر لمّا كان عنده: «من الإمام بعدك؟ قال: ولدي نزار»، وأنكر إمامة المستعلي ودعا لنزار ابن المستنصر. فلمّا قتل نزار في ذي

القعدة سنة ثمان وثمانين، قال أصحاب ابن الصبّاح له: إنّك تدّعي حضوره.

فقال لهم: الآية في ذلك أن يطلع القمر في غير وقته من غير مطلعه.

ثمّ عمد إلى جبل بجانبهم شديد الارتفاع، وعمل بعض مخاريقه فصار يرى كالقمر قد طلع من وراء الجبل. فعند ذلك صار بعضهم يبشّر بعضا بالإمام نزار. وأقرفوا (٢) من أهل مصر وشرعوا في افتتاح الحصون فأخذوا قلاعا.

واشتغلوا بعمل السكّين التي سنّها لهم علي اليعقوبيّ، وأخذ ابن الصبّاح يقول لأصحابه: إنّ الإمام نزارا بين أعداء كثيرة، والأعداء محيطة به، والبلاد بعيدة، ولم يتمكّن من الحضور، وقد عزم على أن يستخفي في بطن امرأة ويستأنف الولادة ليجيء سالما.

فصدّقوه في ذلك، وأخرج إليهم جارية حبلى، وقال لهم: «إنّ الإمام قد اختفى في هذه»، فعظّموها حتى ولدت ذكرا وسمّاه حسنا، وقال:

قد تغيّر الاسم بتغيير الصورة.

وفي المحرّم سنة ثلاث وخمسمائة سيّر السلطان محمد بن ملكشاه وزيره أحمد ابن نظام الملك إلى قلعة ألموت لقتال الحسن بن الصبّاح، فحصره وهجم عليه الشتاء، فعاد بغير طائل.

وفي سنة خمس وخمسمائة ندب أيضا لقتاله الأمير أنوشتكين شيركير صاحب ساوة (٣)، فملك عدّة قلاع للحسن بن الصبّاح ونزل على قلعة ألموت بعساكره، وأمدّه السلطان محمّد بعدّة من الأمراء، فجدّ في قتال الحسن وبنى له مساكن يسكنها هو ومن معه. فضاق الأمر على الحسن


(١) قراءة ظنّيّة.
(٢) أقرف به وأقرفه: عابه.
(٣) ساوة: بين الريّ وهمذان (ياقوت).

<<  <  ج: ص:  >  >>