للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقلّت الأقوات عنده حتى كان يجري لكلّ من أصحابه رغيفا وثلاث جوزات في اليوم. فبينا هم في ذلك إذ مات السلطان، فرحل العسكر وغنم الحسن ما تخلّف عنهم.

ثمّ إنّ ابن الصبّاح ندب لقتل الأفضل ابن أمير الجيوش من أصحابه، فلمّا قتل في شهر رمضان سنة خمس عشرة وخمسمائة [٣٥٣ ب]، وولي القائد أبو عبد الله محمد بن فاتك المعروف بالمأمون البطائحيّ وزارة الخليفة الآمر بأحكام الله بعد قتل الأفضل، اتّصل به أنّ النزاريّة والحسن بن الصبّاح فرحوا بموت الأفضل، وأنّ آمالهم امتدّت إلى قتل الآمر والمأمون، وقد بعث ابن الصبّاح رسلا لمن في مصر من أصحابه بأموال تفرّق فيهم.

فضبط حينئذ المأمون أمر مصر ضبطا عظيما حتّى قبض على جماعة كثيرة من أصحاب ابن الصبّاح. وعقد مجلسا بالقصر للنظر في أمر النزاريّة. وكتب إلى الحسن بن الصبّاح يعظه ويأمره بالرجوع عن القول بإمامة نزار، فلم يقنع بذلك، وأقام على دعوته إلى أن مات بناحية ألموت في سنة ثماني عشرة وخمسمائة.

وكان ذا سمت وزهد، وله أتباع من جنسه.

وقام من بعده بالموت ديلميّ يعرف بزركمين.

وهذه الطائفة الإسماعيليّة يقال لها أيضا الباطنيّة، وأصل دعوتها مأخوذ عن القرامطة.

وأوّل ما عرف أمرها أنّه اجتمع منها ثمانية عشر رجلا يوم العيد في مدينة ساوة، وقد فطن بهم الشّحنة (١) وأخذهم وسجنهم ثمّ سئل فيهم فخلّى عنهم، وكان ذلك في سلطنة ملكشاه. ثمّ إنّهم دعوا مؤذّنا من أهل ساوة كان بأصبهان، فلم يجبهم فقتلوه فأمر الوزير نظام الملك بتتبّعهم،

فأخذ رجل نجّار اسمه طاهر وقتل ومثّل به وجرّت العامّة برجلة في الأسواق. فحنق الباطنيّة ودسّوا على نظام الملك حتى قتلوه بالنجّار. ثمّ اجتمعوا في موضع بالقرب من قاين (٢)، وأخذوا قافلة عظيمة مرّت بهم من كرمان، وقتلوا سائر من بها إلّا رجلا تركمانيّا، فإنّه فرّ إلى قاين وأعلم الناس فخرجوا إليهم فلم يقدروا عليهم. وعظم أمرهم واشتدّت شوكتهم بنواحي أصبهان، وصار دعاتهم يسرقون من قدروا عليه ويقتلونه حتى أتلفوا خلقا كثيرا، وانتشرت دعوتهم.

ثمّ إنّ الفقيه أبا القاسم مسعود بن محمّد الخجنديّ الشافعيّ تجرّد لهم بمدينة أصبهان وجمع الجمع الغفير بالأسلحة وتطلّبهم وأخذ منهم عالما كبيرا، وحفر لهم أخاديد وأضرمها نارا، وجعلت العامّة تأتي بالباطنيّة أفواجا وفرادى وتلقيهم في النار، وقد أوقفوا على رأس الأخاديد رجلا سمّاه مالكا، فقتل منهم خلق كثير في شعبان سنة أربع وتسعين وأربعمائة.

وكان الباطنيّة قد اجتمعوا على أحمد بن عبد الملك بن عطّاش وألبسوه التاج وجمعوا له الأموال وقدّموه عليهم، مع جهله، لأنّ أباه كان مقدّما فيهم. فاتّصل بدزدار (٣) قلعة أصبهان التي بناها السلطان ملك شاه، وبقي معه فوثق به الدزدار وقلّده الأمور، فلمّا مات الدزدار بعد موت ملكشاه في أيّام خاتون الجلاليّة أمّ السلطان محمد بن ملكشاه، استولى أحمد [بن عبد الملك] بن عطّاش على القلعة بعده، ونال المسلمين منه ضرر عظيم من أخذ الأموال وقتل الأنفس وقطع الطريق والخوف الدائم.

وفي الحسن بن الصبّاح يقول الشريف أبو يعلى


(١) الشّحنة: صاحب الشرطة.
(٢) قاين: بين نيسابور وأصبهان (ياقوت).
(٣) الدزدار أو الدزدان: الوالي.

<<  <  ج: ص:  >  >>