للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ولد مستهلّ المحرّم سنة ثمان وثمانين وخمسمائة. وكانت أمّه ابنة [القاضي شهاب الدين] ابن أبي عصرون قد أرضعت الملك الكامل محمّد ابن العادل أبي بكر بن أيّوب، فصار هو وإخوته: فخر الدين يوسف، وعماد الدين عمر، وكمال الدين أحمد، إخوة الكامل من الرضاعة، فرقّاهم الرتب العالية، وولّى معين الدين مشيخة الشيوخ.

وبعثه في الرسالة إلى بغداد لمّا مات أمير المؤمنين الظاهر بأمر الله محمد ابن الناصر وقام من بعده في الخلافة ابنه أمير المؤمنين المستنصر بالله أبو جعفر المنصور. فلمّا قدمها وقف بدار الوزارة وقال مسلّما عن مرسله، والوزير إذ ذاك مؤيّد الدين [أبو الحسن محمد بن محمد القمّي] (١): عبد الدولة المقدّسة النبويّة المستنصريّة محمد بن أبي بكر بن أيّوب يقبّل العتبات التي يستشفى بتقبيل ثراها، ويتمسّك من عبوديتها (٢) بأوثق عراها، ويوالي شكر الله تعالى على إماطة ليل العزاء الذي عمّ مصابه، بصبح الهناء الذي تمّ نصابه، حتى تزحزح عن شمس الهدى شفق الإشفاق، وصوّح نبت الردى في نفق النفاق، فامتازت الخلافة المعظّمة من مستنصرها بالمثل الأعلى، وفاز عبد دولتها من ولايتها بالقدح المعلّى، جعل الله كلمتها العليا وكلمة أعدائها السفلى، وضمّ شرف الأخرى بجلال مجدها إلى شرف الأولى مصلّيا ومستلما، ومقبلا وملتزما أبدا، إن شاء الله تعالى.

فكان الفصل منه عزاء وهناء في هذه الكلمات المختصرة. فلمّا قدم إلى القاهرة بعثه في الرسالة،

ومعه أخوه كمال الدين أحمد وقاضي العسكر شمس الدين محمد الأرموي، إلى الملك المعظّم عيسى صاحب دمشق في شعبان سنة أربع وعشرين وستّمائة، على أن يسير الكمال بجواب المعظّم إلى المجاهد صاحب حمص، ويتوجّه المعين إلى بغداد برسالة إلى الديوان العزيز.

ثمّ أقامه السلطان بعد عوده يتحدّث في الأموال، وسمّاه نائب الوزارة، واعتمد عليه في مهمّات أموره إلى أن مات. فقام مع إخوته في تحليف العساكر للملك العادل أبي بكر ابن الملك الكامل حتى تمّت له السلطنة، وقدموا إلى القاهرة. فأقام في خدمة الملك العادل إلى أن خلع من السلطنة بأخيه الملك الصالح نجم الدين أيّوب. فاستوزره في يوم الخميس حادي عشرين ذي القعدة سنة سبع وثلاثين وستّمائة قبل الظهر بالبركة خارج القاهرة، وسلّم إليه أمور المملكة بأسرها فشرع في التدبير ونظر في مصالح البلاد.

فاتّفق في سنة أربعين أنّ بعض غلمانه بنى بأمره على سطح مسجد بمدينة مصر مكانا تضرب فيه طبلخانات الوزارة. فأنكر ذلك الشيخ عزّ الدين عبد العزيز بن عبد السلام قاضي مصر ومضى بنفسه وأولاده إلى أن هدم البناء ونقل ما كان فوق سطح المسجد. ثمّ أشهد على نفسه أنّه قد أسقط شهادة الصاحب الوزير معين الدين، وأنّه قد عزل نفسه من وظيفة قضاء مصر والوجه القبليّ. فشقّ ذلك على السلطان (٣).

وفي سنة اثنتين وأربعين وستّمائة جهّزه الملك الصالح على العساكر ومعه الدهليز السلطانيّ والخزائن، وأقامه مقام نفسه وأذن له أن يجلس على رأس السماط ويركب بهيئة الملوك، وأن يقف


(١) الزيادة من السلوك ١/ ٢٢١، ومات الظاهر العبّاسيّ في رجب ٦٢٣.
(٢) في السلوك ١/ ٢٢١: ويستكفى بتمسّكه من ...
(٣) الخبر في السلوك ١/ ٣١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>