للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والخدم فهجموا عليهم وقتلوهم. فبلغ ذلك ابن حمدان، ففرّ من داره إلى ظاهر البلد، واجتمع إليه الأتراك واقتتلوا مع العبيد المقيمين بالقاهرة ومصر مدّة أيّام. وحلف ابن حمدان أنّه لا ينزل عن فرسه إلّا بانفصال الأمر، إمّا له وإمّا عليه. وثبت، فانهزم العبيد بعد ما قتل معظمهم. فاشتدّ بأسه، وكلّف المستنصر مالا عظيما، وأنفق على من معه ألف ألف دينار عينا. وخرج في شهر رمضان من هذه السنة إلى محاربة العبيد ببلاد الصعيد، فواقعهم، وقووا عليه. فانهزم منهم وصار إلى الجيزة، وتلاحق به أصحابه.

فشغب على الخليفة المستنصر (١) واتّهمه بالنفقة على العبيد في السرّ، فحلف على ذلك، وشرع ابن حمدان يستدعي الأموال من المستنصر فبعث إليه بشيء عظيم أنفق منه في أصحابه، بدل ما تلف لهم في الوقعة ونهبه لهم السودان، مبلغ ألف ألف دينار أخرى. فسار وأوقع بالعبيد وقعة عظيمة [٤٨٧ ب] أبادهم فيها ولم ينج منهم إلّا اليسير، فزالت دولتهم.

وعاد ابن حمدان في سنة ستّين وقد عظم أمره وتفرّد بالأمر دون الأتراك. فلم يحتملوه وصاروا إلى الوزير الخطير (٢) [ ... ] وقالوا له: كلّما خرج مال من الخليفة يأخذ ابن حمدان أكثره يفرّقه في حاشيته ولا يصل لنا منه شيء، إلّا القليل.

فقال: إنّما وصل إلى هذا وغيره بكم. ولو فارقتموه لم يتمّ له أمر.

فاتّفقوا على محاربته وإخراجه من مصر،

وتحدّثوا مع الخليفة في ذلك. فبعث إليه يأمره بالخروج عن مصر ويهدّده إن لم يخرج. فخرج من داره إلى الجيزة. ونهبت دوره ودور حاشيته وأصحابه في صفر سنة إحدى وستّين. فلمّا كان في الليل عاد من الجيزة سرّا إلى بيت القائد تاج الملوك شادي، وقبّل رجله وقال: اصطنعني وانصرني على الدكز وعلى الوزير الخطير.

فقال: كيف لي بذلك؟

قال: أن تركب في سائر أصحابك وتسير بين القصرين، فإذا أمكنتك فرصة فانتهزها واقتلهما.

فأجابه. وعاد ابن حمدان [٣٨٤ أ] إلى الجيزة.

فلمّا أصبح شادي شرع فيما تقرّر، ففطن به الدكز، فالتجأ إلى القصر واستجار بالمستنصر. وأقبل الوزير في موكبه ولم يشعر [فقتله تاج الملوك] (٣).

فبعث شادي إلى ابن حمدان أن يحضر فعدّى من الجيزة. وحسّن الدكز للمستنصر أن يركب، فلبس سلاحه، واجتمع إليه عالم كثير من العامّة والأجناد والأتراك. وقاتل ابن حمدان فانهزم بعد ما قتل كثير من أصحابه، وسار إلى البحيرة في نفر قليل. فنزل على بني سنبس وأقام عندهم وتزوّج منهم وأخذ في إبطال الخطبة للمستنصر وتغيير الدولة الفاطميّة.

وسيّر الفقيه أبا جعفر محمد بن أحمد البخاري قاضي حلب إلى السلطان ألب أرسلان [ملك العراق] يسأله أن يجهّز إليه عسكرا ليقيم الدعوة العبّاسيّة بمصر. فتجهّز ألب أرسلان وبعث إلى محمود بن نصر (٤) بن صالح بن مرداس، فقطع


(١) اتّعاظ ٢/ ٢٧٦ ثم ٢٧٨.
(٢) خطير الملك هو ابن اليازوري المقتول سنة ٤٥٠ (ترجمة رقم ١١٨٨) وابنه خطير الملك اسمه محمّد بن الحسن، وتولّى الوزارة في صفر ٤٦١ (اتّعاظ، ٢/ ٣٠٠، وابن ميسّر، ١٩).
(٣) اتّعاظ ٢/ ٢٧٩، وخطط، ٢/ ١٣٩ وابن ميسّر، ١٩.
ومن هذه المصادر أخذنا قتل الوزير الخطير، ولا يخلو الأمر من ريبة إذ أنّ المقريزي لم يذكر قتل ابن اليازوري في ترجمته رقم ٢٠٦٩.
(٤) في الاتّعاظ ٢/ ٣٠٢ (سنة ٤٠٢): محمود بن ثمال.

<<  <  ج: ص:  >  >>