الحسن بن بويه إلى مصر، وذلك أنّ أحد جواسيسه العائدين من مصر ذكر له أنّه تقدّم إلى شيخ حلاويّ في زقاق القناديل بمصر، ودفع إليه درهما تاجيّا (١) ليبتاع به شيئا ممّا بين يديه، فردّه إليه وتنازعا فيه، فشتمه وشتم الآمر بضرب الدرهم، وأنّه سأل عن اسم الحلاويّ حتّى عرفه.
فبينا أبو عبد الله الحسين هذا في منزله إذ طرق بابه نقيب، ومعه نفّاط، فجزع وخرج إليه فقال له النقيب: الشيخ الجليل ابن محمان يستدعيك.
(قال) فمضيت إليه فوجدت عنده فرّاشا من دار عضد الدولة، فقال لي: «إنّ مولانا سأل عن صانع حاذق يعمل تماثيل الحلواء، فوصفت له ورسم إنفاذك [٤٠٩ ب] إليه». فقلت: السمع والطاعة!
وأخذ الفرّاش يدي وأدخلني على عضد الدولة. فلمّا رأيته قبّلت الأرض مرارا، فقال:
لعلّك ارتعت وانزعجت، فلا بأس عليك، وما دعوناك إلّا لخير، وقد احتجنا إلى استخدامك في أمر تنفذ فيه إلى الموصل، وتقدّمنا بإطلاق نفقة لك تجعلها لعيالك. فخذها من أبي الثناء شكر.
فانصرف وانظر في أمرك، وادفع النفقة لأهلك، ولا تعرض أنت لأخذ شيء منها، فإنّك في طريقك في غير حاجة إليها.
(قال) فخرجت وخرج شكر فأعطاني عشرين دينارا، وانصرفت وذكرت لأهلي ما رسم لي ودفعت إليهم الدنانير، ووصّيتهم بما أريد.
ثمّ استدعيت إلى حضرة عضد الدولة. فقال:
تخرج مع من نسلّمك إليه وتسير معه إلى مصر.
فإذا حصلت بها فاقصد باب الجامع واسأل عن منير الخادم الأبيض الذي يبيع الفراخ المسمّنة.
فإذا رأيته فقل: «صديقك يقرئك السلام». فسيقوم من موضعه ويمشي، فاتّبعه فإذا دخل إلى منزله فادخل. ولا تسأل فإنّه سيكرمك. وإذا دخلت فانزع ثياب سفرك التي عليك والبس الثياب التي يسلّمها إليك وخذ منه ما تريد لنفقتك ومؤونتك، واقصد بعد ذلك زقاق القناديل، فإنّك سترى فيه شيخا حلاويّا اسمه كذا، ويعرف بكذا. فاجلس عنده، واذكر له صناعتك ومعرفتك بأمر الحلواء وعمل الجيّد منه وتوصّل إلى أن تعمل عنده، وخفّف مؤونتك عليه، ولا تطالبه بشيء. وإن دعاك إلى [٥٤٤ أ] منزله فامض معه. فإذا عملت معه وعرفك الناس واشتهر عنك جودة الصنعة فاستأجر بإزاء دكّانه وابتع ما تريده من آلة ومتاع، واستدع من منير الخادم ثمن ذلك. فقد تقدّمنا إليه بإزاحة علّتك. فإنّ زبون الحلاويّ سيعدل إليك ويقف أمره ويسألك الشركة، فأجبه إليها وأقم معه شهرا. ثمّ أظهر شوقك إلى بغداد وعيالك، وعظّم الكسب في عينه، وابعثه على الخروجإليها ومشاهدتها، وعده المواعيد الكثيرة فيما يتحصّل له منها وأنّك تنزله ببغداد في دارك وتجعله في دكّانك، وأنّك قد ألفته، فإن طابت بغداد له أحسنت إليه، وإن آثر العود إلى [مصر] زوّدته من طرف العراق ما يعود به إلى أهله. واجتهد في حمله معك إلى حضرتنا واخدم في ذلك خدمة تعرف جلادتك بها، وتحظى بحسن العاقبة فيها وتناول من منير ما تحتاجه لنفسك وله، واحترس من حيلة تتمّ عليك، واكتمه ما تقدّمنا به إليك.
(قال) فلمّا سمعت ذلك قلت: السمع والطاعة، وأرجو أن يوفّقني الله لما أهّلت له.
(١) الدرهم التاجيّ: لعلّه ممّا ضربه عضد الدولة البويهيّ (ت ٣٧٢) فلم ينفق في مصر. ولقبه تاج الملّة كما يدلّ عليه كتاب «التاجي في أخبار الدولة الديلميّة» الذي ألّفه له ابن هلال الصابيّ- انظر الأعلام ٥/ ٣٦٤ وكشف الظنون ٢٧٠.