رجلا- وقيل ستّة- وثمانية أفراس. وخرجوا بحميضة ورميثة في الحديد إلى ظاهر مكّة. وأقيم في إمارة مكّة عوضهما أخواهما أبو الغيث وعطيفة.
وساروا بحميضة ورميثة إلى مصر، وصعدوا بهما في الحديد إلى قلعة الجبل أوّل يوم من المحرّم سنة اثنتين وسبعمائة. فسجنا إلى صفر سنة ثلاث وسبعمائة.
[ثمّ] أفرج عنهما وأحضرا بين يديّ الملك الناصر محمد بن قلاوون، وأعيد حميضة إلى إمرة مكّة، ومعه أخوه رميثة على عادتهما، وخلع عليهما، وأريد حميضة أن يلبس كلفتاه زركش فامتنع من ذلك. فهدّد بعوده إلى السجن إن لم يفعل، فلبسها، وأجلس هو ورميثة فوق الأمراء.
وانصرفا. فبعث إليهما [٤١٨ ب] الأميران بيبرس وسلّار وسائر الأمراء الهدايا، وأجريت عليهما الرواتب السنيّة. وصارا يركبان بالميدان مع السلطان. ولعب حميضة بالكرة مع الأمراء والسلطان، وبالغ الجميع في تعظيمه وإكرامه، إلى أن سافر بأخيه، ومعهما عزّ [٥٣٦ ب] الدين أيدمر الكوندكي ليسلّمهما مكّة. فأقام بمكّة إلى أن خرج بالركب من مصر الأمير سيف الدين نوغاي القبجاقي في سنة سبع وسبعمائة، وقدم به إلى مكّة. فبلغه أنّ عبيد حميضة تتخطّف من التجّار أموالها وتتعرّض للحجّاج وتأخذ منهم ما أرادت غصبا. فأرسل جماعة لتقبض على واحد منهم. ففرّ من كان معه من رفاقه وأخذ. فثارت العبيد وأركبوا حميضة ومعه الأشراف بالسلاح يريد الحرب، وكان شجاعا مقداما متهوّرا لا يحسب أنّ أحدا يقف له.
فركب نوغاي أيضا بأصحابه وثبت موضعه ونادى بالأمان وأن لا يخرج أحد من موضعه، ومن عدم له شيء كان على أمير الركب، ثمّ ساق بمن معه. فإذا طائفة من أهل الستر والحجّاج قد تعلّقوا بالجبل خوفا من الشرّ أن يدركهم. فوضع السيف فيهم وقتل منهم خلقا كثيرا على أنّهم من العبيد. وأعلم بهم فلم يكفّ عنهم.
وأقبل يريد حميضة بمكّة، فانهزم عنه لكثرة من معه. وخرج شيوخ الحرم والمجاورون إلى نوغاي، وما زالوا به حتّى رجع. واستمرّ حميضة فكثر ظلمه. وبلغ ذلك السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون، فجرّد إليه الأمير سيف الدين طقصبا الناصريّ على جماعة من أمراء مصر، وجرّد من دمشق الأمير بلبان البدريّ، ووصلوا جميعا مع ركبي مصر ودمشق في موسم سنة ثلاث عشرة وسبعمائة. ففرّ حميضة إلى جهة اليمن ونزل حيّ بني يعقوب.
فرتّب طقصبا عوضه أخاه أبا الغيث بن أبي نميّ، وأقام العسكر معه بعد الموسم شهرين، وعادوا.
فجمع حميضة وقدم مكّة بعد ما استمال بني حسن، فتركوا أبا الغيث وانهزم إلى وادي نخلة، واستقرّ حميضة بمكّة. فبعث إلى السلطان باثني عشر فرسا قودا وسأل العفو. فلم يعف عنه وحبس رسوله. فقطع حميضة اسم السلطان من الخطبة ودعا لصاحب اليمن، وأخرج أخاه رميثة. فقدم مصر في جمادى الآخرة سنة خمس عشرة، فجرّد السلطان معه عسكرا.
ثمّ أخرج حميضة أخاه أبا الغيث من مكّة أيضا، فنزل وادي نخلة. فخرج إليه وقاتله فقتل أبو الغيث. وعقيب قتله قدم العسكر مع رميثة، ففرّ منهم مختفيا في زيّ امرأة وسار إلى العراق ولحق بخربندا، فاحتفل به وتلقّاه وبالغ في إكرامه وأجرى له الرواتب، ووعده أن يردّه إلى إمارة مكّة بجيش يبعثه معه ليقيم له الخطبة بالحجاز. وندب [٥٣٧ أ] معه أربعة آلاف فارس ليوصلوه إلى مكّة، ويقيم بها معه ألف فارس ويعود بقيّتهم.