للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فسار في رجب سنة ستّ عشرة وسبعمائة يريد مكّة. فبلغ خبره محمد بن عيسى أخا مهنّا بن عيسى- وقد بلغه موت خربندا- وبيّت عسكر حميضة فقتل كثيرا من المغل. وفرّ حميضة، وأسر محمد منهم أربعمائة وغنم سائر ما معهم، وكان شيئا كثيرا، وبعث يبشّر السلطان بذلك.

فنجا حميضة ومعه أميران من أمراء المغل في نحو خمسين من التتر، ومضى إلى مكّة. فلمّا قاربها بعث يرغّب أخاه رميثة في إقامته معه شريكا له. فأبى عليه وبعث يستأذن السلطان في ذلك.

فأجابه بأن لا يمكّن من مكّة حتى يحضر إلى مصر، ويقيم بها تحت ظلّ السلطان وله الأمان.

فاستمال حميضة قوّاد مكّة حتى وافقوه وقاموا معه ففرّ رميثة إلى مصر ودخل حميضة إلى مكّة عنوة وقطع اسم الملك الناصر من الخطبة، ودعا لأبي سعيد بن خربندا صاحب العراق، ومدّ يده فأخذ أموال التجّار ومياسير الناس. فلمّا قدم رميثة إلى مصر وأعلم السلطان بذلك، جرّد معه الأمير صارم الدين أزبك الجرمكي وبهادر الإبراهيمي على ثلاثمائة فارس. فساروا به مع الركب في شوّال سنة سبع عشرة، فانهزم حميضة بين أيديهم من غير قتال حتى انقضى الموسم وعاد العسكر من مكّة.

[ف] قدم إليها وأقام خارجها [٤١٩ أ]، وأخوه رميثة بها، وبعث يسأل أن يعفى عنه. فبعث السلطان في سنة ثماني عشرة الأمير أيتمش المحمّديّ، ومعه بهادر السعيديّ الكركي، أمير علم، على خمسين جنديّا، وكتب أمانا لحميضة.

فلمّا نزلوا بطن مرّ تلقّاهم رميثة، ووقف على أمان أخيه [ف] سرّ به وأعلمهم أنّه نازل عند بني شعبة.

فبعث إليه أيتمش يخبره بأنّه حضر بالأمان حسب سؤاله، ودعاه إلى الحضور. فتعلّل بأنّه لا يجد ما يتركه عند أهله إذا فارقهم، وأنّه مقيم بهم في جوار بني شعبة. فبعث إليه أيتمش حملين بشماط (١) وحملين دقيقا وحمل سكّر وألف درهم فضّة.

فقبل ذلك وامتنع بقلعة منيعة على مسافة ثلاثة أيّام من مرّ تعرف بريمة. فشقّ ذلك على أيتمش، وركب إليه. ومرّ على وادي نخلة وعبر الوادي حتى نزل تحتها في اليوم الثاني، فإذا هي فوق جبل عال، وبها حميضة في ألفي رجل، وتحته فرس. فتلقّوا أصحاب أيتمش بالحجارة حتّى كادوا أن يهلكوا، وأحجمت خيلهم عن اقتحام الأوعار. فترجّل أيتمش بمن معه، ووالوا رشقهم بالسهام وقتلوا منهم خمسين [٥٣٧ أ] وجرحوا مائتين. فانهزم حميضة، وصعد القوم الجبل فلم يقفوا له على خبر. وأسروا كثيرا من رجاله ثمّ أفرجوا عنهم، وعادوا. وكتب أيتمش بذلك إلى السلطان.

فلمّا رجع أيتمش وقع الصلح بين حميضة وأخيه رميثة فغضب السلطان على رميثة وجرّد الأمير بدر الدين محمد بن عيسى بن التركمانيّ فقبض على رميثة وحمل إلى مصر، وولّى السلطان عوضه عطيفة بن أبي نميّ. فسار حميضة إلى البرّ وأقام به، يتنقّل فيه إلى عدّة مواضع.

فلمّا حجّ السلطان في سنة تسع عشرة وعاد، هرب منه ثلاثة مماليك وقصدوا اللحاق بالسلطان أبي سعيد بن خربندا ملك التتار، وأعطوا بدويّا مائتي دينار، فسلك بهم من بطن مرّ على وادي نخلة، فصدفهم حميضة وهو يتصيّد. فسلّم عليهم وسألهم عن خبرهم ومال بهم إلى بيوته وأضافهم.

فأعلموه بأنّهم يريدون العراق، فوعدهم أن يسير بهم إلى أبي سعيد ويجعلهم من جملة أمرائه، فأقاموا عنده. وكان أحدهم شابّا جميلا، فاختصّ


(١) البشماط: كعك غير محشوّ (دوزي).

<<  <  ج: ص:  >  >>