للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الدولة أبي عليّ، أخي الوزير المأمون ابن البطائحيّ.

نشأ بالقاهرة. فلمّا اتّصل أخوه أبو عبد الله محمد بن فاتك بالأفضل ابن أمير الجيوش، استعان به وبأخيهما أبي الفضل جعفر. فاستصوب الأفضل فعله، ورتّب لهما الرواتب الدارّة في اليوم والشهر والسنة.

فلمّا استقرّ أبو عبد الله بعد قتل الأفضل في الوزارة، صار إليه تقدمة العساكر وزمّ الأزمّة. ثمّ ولّاه الخليفة الآمر بأحكام الله الإسكندريّة والأعمالالبحريّة والغربيّة والبحيرة والجزيرتين والدقهليّة والمرتاحيّة في سنة سبع عشرة وخمسمائة، وخلع عليه بدلة مذهّبة من خاصّ لباسه وطوق ذهب، وقلّد بسيف قرابه وسقطه (١) ذهب بغير منطقة.

وشرّف بتقبيل يد الخليفة في مجلسه، وسلّم إليه تقليده في لفافة مذهّبة. وشدّت الأعلام والقضب الفضّة والعماريّات، وحمل على يديه أكياس المال برسم التفرقة، وحجبه الأمراء المطوّقون والأساتذة المحنّكون. وقبّل أبواب القصور ومضى إلى داره. وأطلق له من ارتفاع الإسكندريّة على الولايتين في الشهر خمسمائة دينار.

فورد الخبر بأنّ رزين الدولة علي بن تراب والي الصعيد الأدنى وضامنه قتلته لواته وعاثت في البلاد. فخرج المؤتمن ومعه طائفة من المأمونيّة، وتاج الدولة بهرام زمام الأرمن وجميع طائفته، وجرّد معه مائة فارس من خيرة (٢) الأجناد ومن أغنيائهم، وأضاف إليه أمثالهم مثل علي بن السلّار، وتاج الملوك قايماز، وسيف الملك الجمل، ودرّيّ الحرون، وحسام الملك بسيل، وكلّ واحد من هؤلاء له جيش بمفرده.

وسارت لواته إلى الفيّوم ونهبوها وأحرقوها ومضوا مغرّبين. فأخذ مواشيهم، وتبعهم إلى الموضع الذي يقال له الحمّام وأخذ أموالهم وعزم على استئصالهم.

فبلغه أنّه قد وصل إلى الإسكندريّة من مراكب الروم والبنادقة نيف وعشرون مركبا. فبادر إلى الثغر ودخله، فرأى الروم من عسكره ما هالهم فأقلعوا عن الثغر.

وأتاه مشايخ لواته ومقدّموهم وسألوه الوساطة بينهم وبين أخيه الوزير المأمون في الصفح عنهم، على أن يقوموا عن جناياتهم بثلاثين ألف دينار عينا، أحضروها مع رهائنهم. فقرّر أمرهم على ذلك وقبض المال.

ولمّا اتّصل بأهل الإسكندريّة قدومه خرج إليه الفقهاء والقاضي والشهود والتجّار [٤٢٤ ب] وكافّة الناس، حتى النساء، ومعهم المصاحف والشموع، وسلّموا عليه. فخيّم بظاهر المدينة وخرج إليه الإمام أبو بكر الطرطوشيّ للسلام عليه. فلم يقبل من أحد شيئا سوى من القاضي مكين الدولة أبي طالب أحمد بن حديد قاضي الإسكندريّة وناظرها، فإنّه قبل ما حمل إليه على حكم الضيافة ثلاثة أيّام. ثمّ أمره بأن لا يعود إلى حمل شيء.

وأخرج كتابين من الوزير المأمون، أحدهما يتضمّن أنّ الغلال بالثغر وأعمال البحيرة كثيرة، وكذلك الأغنام مع قطيعة العربان. فمهما دعت الحاجة إليه برسم أسمطة العساكر يحمل ويساق وتكتب به الوصول على ما جرت به العادة، ويأمره فيه أن لا يقبل من أحد من التجّار ضيافة ولا هديّة.

والكتاب الآخر إلى مكين الدولة بأن يطلق في كلّ يوم من ارتفاع الثغر ما يحتاج إليه من الأصناف برسم الأسمطة للعساكر، وأن يستخدم عليها من


(١) هكذا في المخطوط، ولم ندر ما سقط السيف.
(٢) في المخطوط: من شره.

<<  <  ج: ص:  >  >>