للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يراه من الشهود. وكان التجّار قد جمعوا من بينهم ثلاثة آلاف دينار ضيافة للمؤتمن وحملوها إلى مكين الدولة. فلمّا أحضرها إلى المؤتمن أنكر عليه وأمره بردّها إلى أربابها. فأخذ مكين الدولة يتلطّف به ويقول: نجعل عوضها طيبا وطرفا ممّا عند التجّار فإنّه لا كلفة عليهم في ذلك. فأقسم أن لا يقبل منهم شيئا، فأعادها إلى أربابها. واستمرّت الأسمطة في كلّ يوم تعمل من مال الارتفاع.

وشرع المؤتمن في ترتيب أحوال الثغر وعمارة ما تشعّت منه، ولم يقبل لأحد هديّة. ثمّ خلع على مكين الدولة وسار لتمهيد ما اختلّ من البلاد فسدّد الأمر في ذلك، وعاد إلى القاهرة. فمدحه عدّة من الشعراء، منهم أبو الفتح محمد بن قادوس، وأبو القاسم عليّ بن الصيرفيّ.

وكان سبب عوده أنّ (١) الخليفة الآمر لمّا تغيّر على الوزير المأمون، بعث أستاذا من ثقاته في أمر ندبه إليه، وأسرّ له أن يجتمع بعليّ بن السلّار في خفية، ويبلّغه سلام الخليفة ويقول له: إنّنا ما زلنا نلتفت إليك وندّخرك لمهمّاتنا ونتحقّق فيك الموافاة لنا. وإنّا بحمد الله قادرون على المكافأة بالخير أكثر من غيرنا. وقد تلوّنت أحوال المأمون، وبالغ في عقوقنا بأشياء لا يتّسع لنا ذكرها. ومقصودنا أن تكتم ما نقول لك.

فلمّا بلّغه الأستاذ ذلك عن الآمر قال: السمع والطاعة لمولانا وأنا مملوكه وباذل نفسي في خدمته.

فقال له الأستاذ: هكذا والله قال عنك.

قال: فما يأمر به؟

قال: تحدّث رفقتك بأجمعهم في الانفصال عن المؤتمن.

ثمّ تركه. ففارق ابن السلّار المؤتمن، ومعه

قايماز، ودرّيّ الحرون. فتبعهم بقيّة الأمراء، وصار المؤتمن مستوحشا، وكتب إلى أخيه المأمون بذلك، وكان يشعر بتغيّر الخليفة عليه فلم يحرّك ساكنا.

وتقدّم إلى الخليفة عند حضوره على العادة وقال:

يا مولانا، صلوات الله عليك. وصل كتاب عبدك أخي وهو يشكو من طول مقامه خارج القاهرة، وأسفه على ما يفوته من خدمة مولانا بالمباشرة، ويسأل الفسحة له في العود إلى الباب الكريم.

فقال: مرحبا وأهلا! وهذا كان رأينا، ونحن مشتاقون إليه، وإنّما قصدنا رضاك فيما رتّبته له، يقدم على بركة الله.

فكوتب عن الخليفة بالعود وأن يرتّب في ولاياته من يختار. فلمّا دخل جلس له الخليفة في غير وقت الجلوس تشريفا له وخلع عليه.

فلمّا دخل شهر رمضان سنة [تسع] عشرة وخمسمائة، حضر المأمون والمؤتمن السماط بقاعة الذهب من القصر في أوّل ليلة. فأكرمهما الخليفة بما أخرج إليهما ممّا كانت يده فيه. وبعث يستأنس بالمؤتمن لحضوره السماط مع أخيه.

فعاد في الليلة الثانية فزاد الخليفة في إكرامهما، وأذن للمأمون أن يدخل إليه ليؤاكله، ولم يتقدّمه أحد من الوزراء لذلك، فدخل. وهنّأه الناس بهذه المنزلة وخلع عليه وعلى أخيه المؤتمن من داخل الدار ثيابا داريّة. فلمّا حضرا في الليلة الثالثة السماط بالقاعة استدعي [٤٢٥ أ] المأمون ليؤاكل الخليفة كما آكله البارحة. فعند ما جلس على المائدة قال له: قد جفونا المؤتمن.- واستدعاه فدخل وصارا في القبضة. وكان قد رتّب لهما من يأخذهما. فلمّا فرغ الأكل وخرجا قبض عليهما واعتقلا في خزانة البنود وأحيط بدورهما. ثمّ قتل مع أخيه في ليلة العشرين من رجب سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة.


(١) في المخطوط: عوده إلى.

<<  <  ج: ص:  >  >>