للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كرّا (١) يمانيّا مليحا إلى الغاية فدفعه الشيخ خضر لشابّ أمرد، فبلغ ذلك الأمير بدر الدين بيليك النائب، وكان قد ثقل عليه أمر الشيخ خضر لكثرة تسلّطه حتى لقد قال له مرّة بحضرة السلطان:

كأنّك تشفق على السلطان وعلى أولاده مثلما فعل قطز بأولاد المعزّ أيبك؟ - فأسرّها النائب في نفسه، وعرّف السلطان خبر الكرّ.

وقال الشهاب أحمد بن يحيى بن فضل الله كاتب السرّ: حكى لي والدي قال: كان الشيخ خضر عظيم المكانة عند الملك الظاهر لا يخالفه في شيء. وكان جريئا باللسان واليد إلى غاية، فضاق منه الوزير بهاء الدين عليّ بن حنّا ضيقا عظيما ولم يجد له سبيلا إلى إبعاده. فشرع في التحيّل عليه. وكانت بدمشق امرأة تعرف ببنت ابن نظيف بارعة في الحسن خالية من الزوج محبّة لأهل الخير. فأتى الشيخ خضر دمشق في بعض أسفاره، فسمعت به وبعثت إليه بأنواع من المأكل، ثمّ دعته إلى دار لها لضيافة عملتها له.

فجاءها وأقام عندها أيّاما في مآكل وأوقات طيّبة لا ريبة فيها. فبلغ ذلك ابن حنّا فجعله سلّما إلى ما يريد، تسلّق منه على الشيخ خضر. وذلك أنّه خلّى ابن ابنه تاج الدين تزوّج بالمرأة وأبقاها في عصمته مدّة طويلة وحملها بالرغبة والرهبة على ما تقوله في الشيخ خضر، ثمّ طلّقها سرّا. وتحيّل جدّه على الملك الظاهر حتّى ألقى في أذنه أنّ الشيخ خضر يشرب الخمر ويزني، وأنّه كان قد أحبّ امرأة من بنات ابن نظيف وأفسدها، وأنّتاج الدين تزوّجها ثمّ لم ينته عنها الشيخ خضر وبقي يأتيها، فطلّقها، وأنّها لو سئلت لأخبرت بالخبر.

فبعث الظاهر إلى نائبه بدمشق في ذلك فأحضر

المرأة وسألها وهي لا تعلم بتطليق تاج الدين لها، فقالت ما قرّر معها أن تقوله. فكتب بذلك إلى الظاهر. ثمّ أضيف إلى الشيخ خضر أقوال أخر ورتّبت له ذنوب لم تكن، وكان منه ما كان.

وقد رأيت أنا في أوراق عمّي رحمه الله- يعني شرف الدين عبد الوهّاب (٢) ابن فضل الله كاتب السرّ- نسخة المطالعة التي كتبت في ذلك، وفيها عظائم وممّا قيل فيها: وهذه المرأة باقية في عصمة الصاحب تاج الدين- لأنّهم لم يكونوا علموا بإيقاع الطلاق عليها-.

وقال فيه الشهاب ابن فضل الله: قدم من جبال الأكراد، وورد الحياض وراد، فاستخصب المرعى واستنجب المسعى، وتأكّدت له بالملك الظاهر صحبة نفعته لديه، ورفعته عند إفضاء الملك إليه، وحمد به زمانه النضر، وكان [ا] الملك الإسكندر والشيخ الخضر، ووسائله مقبولة، ورسائله للمصائد أحبولة، والأيّام معه، والأنام لدعوته مستمعة، حتى هبّت له بنكباء البأساء، ودبّت إليه دبيب ظلماء المساء، وأنبتت له من الوزراء الظاهريّة أصلالا أراقم، وأسقاما [٤٣٢ أ] داؤها متفاقم، وكان قد ثقلت عليهم شفاعاته، ونقلت إليهم شناعاته، وما زالوا به حتى أخرجوا خبأه، وأسمعوا منه أيّ نبأة، وأحضرت امرأة تعرف ببنت ابن نظيف فقالت فيه كلاما، وقادت إليه ملاما، فحمل إلى قلعة الجبل (٣)، واعتقل حتى هيّئ له بيته في المقابر ونقل، إلّا أنّه مات غير مخترم [وتاب و] لم ير غير مبجّل محترم. وكان موته بدنّو أجل الملك الظاهر منذرا، وكان قد أنذره به وكان منه حذرا.


(١) الكرّ بالفتح والضمّ: فصلة من قماش تصنع منها العمائم (دوزي).
(٢) هذا التوضيح من المقريزي، أمّا بقيّة الكلام فمنقول عن المسالك.
(٣) في المسالك: فحمل إلى القلعة واعتقل.

<<  <  ج: ص:  >  >>